عاجل

القبض على سارقي الكابلات الكهربائية بين محطتي دير علي وعدرا    تراجع أسعار الذهب عالمياً الأربعاء مع ارتفاع الدولار والتركيز على بيانات التضخم الأمريكية    انخفاض أسعار النفط الأربعاء لليوم الثاني مع زيادة مخزونات الخام الأمريكية    

فلسطين ...واستراتيجية السيد نصر الله للتحرير.. بقلم العميد الدكتور أمين حطيط

2017-10-05

فلسطين ...واستراتيجية السيد نصر الله للتحرير.. بقلم العميد الدكتور أمين حطيط

قد يكون العالم فوجئ بموقف السيد حسن نصر الله الأخير من القضية الفلسطينية وبالمقاربة الفذة التي اجراها ـ فالعالم اعتاد وللأسف على سلوكيات عربية تتراوح بين نظرية " الرمي في البحر" التي سادت قبل العام 1967،والاتصال السري بإسرائيل الى حد العمالة لها وخيانة القضية الفلسطينية والامة برمتها، وقلة هي الدول العربية التي كانت صادقة اعلانا وسرا في عدائها لإسرائيل ورفضها التنازل عن حقوق الفلسطينيين خاصة والامة عامة. وكذلك كان ظاهرا الى حد ما عند الجميع الدمج بين الحركة الصهيونية باعتبارها حركة سياسية حليفة او اداة للمد الاستعماري الغربي خاصة البريطاني، واليهود كاتباع دين سماوي لهم كتاب منزل من الله على النبي موسى الذي يعترف به المسلمون ليس كنبي فقطبل أحد أولياء العزم الخمسة أيضا الذين اولهم نوح واخرهم محمد واوسطهم موسىو بعده عيسى وقبله إبراهيم.

لقد استفادت الحركة الصهيونية كثيرا من الدمج بينها و بين اليهود ، كما استفادت أيضا من الاعلام الغوغائي المتضمن فكرة رمي اليهود في البحر ، و تمكنت مستفيدة من اخطائنا ان تظهر نفسها بانها الضحية بدل ان تظهر حقيقتها بانا المجرم و الجلاد ، ثم تمكنت ان تؤلب العالم على العرب و تكتل النسبة العالية من اليهود و معهم العالم الغربي بمعظمه ، تكتلهم ضد العرب حماية لإسرائيل التي باتت حمايتها بنظرهم  واجب انساني و أخلاقي و فرض قانوني بعد ان اعتمدت معظم دول الغرب قانون حظر معاداة السامية ، حيث استطاعت إسرائيل ان تحصر السامية بها وحدها رغم انها و العرب من جذور سامية واحدة . وبهذا القانون بات انتقاد إسرائيل والتداول بجرائمها بحق الانسان بات جريمة يعاقب عليها القانون الى حد قطع الاعناق والارزاق.

هذا الواقع الأسود الكئيب المرير كان بحاجة الى قائد استراتيجي عميق الفهم بعيد النظر طليق الفكر الرؤيوي، من اجل ان يضع الأمور في نصابها الصحيح، ويسير بالقافلة بالاتجاه الذي يؤدي الى تحجيم العدو ومحاصرته تمهيدا للقضاء عليه بصفته عدو مغتصب لحق وليس بصفته اشخاص من اتباع دين سماوي محدد.

وعلى هذه القاعدة يجب ان يفهم كلام السيد حسن نصر الله العاشورائي الأخير، فالسيد يرى وهو أصاب عين الحقيقة في رؤيته التي بناها على ركنين: الأول ان منطق الأمور يفرض التعامل مع الحقيقة وليس مع الشبهة والتضليل، والثاني ان المواجهة الميدانية إذا فرضت –وفي الحالة الإسرائيلية الصهيونية ستكون مفروضة في لحظة معينة لأكثر من اعتبار – ان هذه المواجهة يجب حصرها الى الحد الأدنى من حيث القوى المواجهة ويجب التحشيد لها الى الحد الاقصى من جهة الأطراف المطالبة بحقوقها.

وانطلاقا من هذا الفهم والتخطيط الاستراتيجي جاء موقف السيد – سيد المقاومة والفكر الاستراتيجي الحديث – السيد حسن نصر الله في خطابه الى كل من يعنيه امر فلسطين او متصل بها بشكل او باخر معتديا او مدافعا عن حقوقه او مطالبا بما اغتصب منها على يد عتاة المشروع الصهيوغربي الذي بدا بقيادة بريطانية وتحول اليوم الى قيادة أميركية دون ان تبتعد بريطانيا عنه وبات يصح وصفه بالمشروع الصهيوانكلوساكسوني الغربي.

اما المكونات المفصلية لهذه الاستراتيجية التي أطلقها السيد حسن نصر الله في خطابه العاشوراء الأخير فيمكن ذكرها كالتالي:

المعتدي في فلسطين و المغتصب لها ليس اليهود كديانة ، و الصراع في فلسطين و على ارض فلسطين ليس صراعا بين الإسلام كدين و اليهودية كدين ، فالديانة اليهودية هي ديانة سماوية و اتباعها هم اهل  كتاب ، و كتابهم التوراة يؤمن المسلمون به بانه كتاب سماوي (طاله تحريف على يد بعض الاحبار لكنه لم يفقد صفته السماوية و لم يفقد اليهود صفتهم بانهم اتباع دين سماوي يعبدون الله الذي ارسل موسى و محمد ، و بالتالي لا مشكلة بين بالإسلام كدين و اليهودية كدين و التعامل بين الاثنين يجب ان يكون محكومة بمبدأ " قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء " ثم " جادلهم بالتي هي احسن ".

ان العدو الحقيقي لفلسطين والعرب والمسلمين هو الحركة الصهيونية وهي حركة سياسية اتخذت من اليهود مادة وجعلتهم وقودا في صراع وحروب ليس بهم بها شان، وبالتالي فان المنطق يفرض ان يعزل اليهود عن الحركة الصهيونية براسها وجسمها، وان تم ذلك فان حجم العدو بتراجع من 20 مليون يهودي مجموع اليهود في العالم (الذين منحهم قانون العدة الإسرائيلي الحق بالجنسية الإسرائيلية) الى 5 ملايين يهودي هم من استقطبتهم الصهيونية وجاؤوا الى فلسطين باعتبارها ارض الميعاد.

ان الفئة التي تمارس العداء و تريد الحروب فعليا هم قادة الكيان الإسرائيلي ، و بالتالي يكون منطقيا كشف التضليل و إيضاح الحقيقة لباقي الجمهور الإسرائيلي بان فلسطين لن تكون ملاذا امنا و لن تكون ارض لبن وعسل لهم لانها ارض مغتصبة و أصحاب الحق فيها لن يتركوها و لن يتنازلوا عنها و يكون من مصلحة الجمهور الإسرائيلي العودة الى دياره الاصلية حتى لا يكون وقودا في حرب قادمة لا محالة تتواجه فيها الحركة الصهيونية و خلفها المشروع الانكلوسكسوني  ، مع محور مقاومة الذي الى على نفسه وضع الحق في نصابه و إعادة كل فرد الى حيث كان في العام 1948 . وبهذا أيضا يكون السيد وفي ذكاء استراتيجي ابداعي عزل الطبقة الحاكمة في إسرائيل عن جمهورها وقلل مرة أخرى من حجم من سيواجه في الميدان عندما يحل اجله.

ان المعني بالمواجهة لتحرير فلسطين، والذي سيشارك في الحرب عندما تستكمل شروطها، ليس الفلسطينيون فقط –ان أكبر خطا وكارثة استراتيجية كانت يوم اعتبرت القضية الفلسطينية ملكا حصريا لمنظمة التحرير الفلسطينية التي ذهبت الى أوسلو وفرطت بها– بل ان المعنيين بها هم كل العرب وكل المسلمين والمسيحيين وسكان منطقة غرب اسيا وكل احرار العالم، لذلك فان المواجهة المقبلة مع الصهيونية ينبغي ان تكون بين معسكرين معسكر العدوان الصهيوانكلوساكسوني ومعسكر الدفاع والمقاومة والفلسطينيون جزء منه.

وأخيرا فان السيد حذر الفئة الحاكمة في إسرائيل من مغبة الهروب الى الامام واللجوء الى الحرب فأكد على واقع تعرفه وعلى حقيقة باتت تعيشها وهي ان المقاومة ومحورها جاهزونلأي حرب تبدأها إسرائيل ولكنهم لن يبادا الحرب هم الان، فاذا قامرت إسرائيل وشنت عدوانا فأنها ستجد نفسها امام حرب مفتوحة في الزمان والمكان ومعسكر متعدد القوى والمكونات حرب لن تتوقف وإسرائيل موجودة وهنا تبدو أهمية النصح الذي وجهه السيد للجمهور الإسرائيلي بالقول الحرب ليست حربكم فلماذا تدفعون أنتم الثمن.

في الخلاصة نرى ا السيد حسن نصر الله صحح مفاهيم التعامل مع القضية الفلسطينية وعمل على حصر العداء بمن هم الأعداء فعلا ثم انه عزز معادلة الردع الاستراتيجي في المنطقة، ولهذا شاهدنا عظيم الاهتمام الغربي والصهيوني بخطاب السيد واستراتيجيته هذه ويبقى على أصحاب الشأن عندنا ان يتابعوا في هذا الاتجاه.


التعليقات

إدارة الموقع ليست مسؤولة عن محتوى التعليقات الواردة و لا تعبر عن وجهة نظرها

لا يوجد تعليقات حالياً

شاركنا رأيك

Create Account



Log In Your Account