عاجل

القبض على سارقي الكابلات الكهربائية بين محطتي دير علي وعدرا    تراجع أسعار الذهب عالمياً الأربعاء مع ارتفاع الدولار والتركيز على بيانات التضخم الأمريكية    انخفاض أسعار النفط الأربعاء لليوم الثاني مع زيادة مخزونات الخام الأمريكية    

أبعد من «أس 400»: موسكو تكافح معارضي أردوغان! بقلم محمد نور الدين

2019-07-24

أبعد من «أس 400»: موسكو تكافح معارضي أردوغان!بقلم محمد نور الدين

ما إن نشرت محطة إذاعية ناطقة بالتركية تبث على «يوتيوب»، تتبع راديو «سبوتنيك» الروسي، مقابلة مع أحمد داوود أوغلو، حتى أُوقِف البرنامج وفُصل صحافيون من المحطة. حدث طرح جملة أسئلة حول خلفيات ما جرى، لكونه يأتي بعد الشروع في تسليم صواريخ «أس 400»، ويصوّب على شخصية جدلية، كرئيس الوزراء السابق، وسط مشهد سياسي تركي جديد

حادثة أحمد داوود أوغلو مع محطة تلفزيونية تبثّ على «يوتيوب» جديرة بالتأمل. المسألة بدأت لدى انتهاء مقابلة أجراها، يوم الخميس الماضي، الصحافي ياووز أوغ خان، وشاركه فيها زميلان له هما إسماعيل صايماز وعاكف باقي. المقابلة بُثت عبر قناة تلفزيونية خاصة على «يوتيوب»، وعبر برنامج يحمل الاسم نفسه، تبثه محطة إذاعية باللغة التركية تابعة لراديو «سبوتنيك» الروسي. المفاجأة أن إدارة راديو «سبوتنيك» أوقفت مباشرةً البرنامج بعد انتهاء اللقاء مع داوود أوغلو، وأوقفت برنامجاً آخر كان يقدمه أيضاً أوغ خان، بل عمدت إدارة المحطة إلى وقف برنامج آخر صباحي يقدمه الصحافي ظفر عرب كيرلي وفصلتهما من عملهما. الدهشة جاءت أيضاً من أن المحطة الإذاعية، ولو باللغة التركية، تابعة لروسيا، أي أن الباعث على الإيقاف بات «خلطة» تركية ــــ روسية. فرئيس الوزراء السابق كان قد أُبعد عن موقعه في أيار/ مايو 2016، أي قبل شهرين فقط من محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة في 15 تموز/ يوليو. لكن داوود أوغلو تحول إلى كبش محرقة وانهالت عليه الانتقادات بأنه قد يكون متواطئاً مع جماعة فتح الله غولن في إسقاط الطائرة الروسية في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.

وعاد داوود أوغلو للظهور بعد صمت طويل في المقابلة المشار إليها أعلاه. وقد قال ياووز أوغ خان إنّ من غير المنطقي لصحافي أن يرفض إجراء مقابلة مع شخصية مثل داوود أوغلو يقبل بالظهور للمرة الأولى منذ خروجه من رئاسة الحكومة منذ ثلاث سنوات. أوغ خان غرّد على حسابه قائلاً: «في تركيا لا يبقى عمل جيد بلا عقاب»، فيما علّق عرب كيرلي على توقيف برنامجه، متسائلاً: «أليس في تركيا من مكان لمن يريد القيام بعمل صحافي بحرية؟». داوود أوغلو علّق، من جهته، على قرار إيقاف البرنامج قائلاً: «لا يمكن إيضاح مثل هذا القرار. حتى لو أغلقوا كل باب فسنفتح باباً جديداً ولن نسكت... إغلاق برنامج أجرى معي مقابلة أمر محزن جداً. لقد قاموا بعملهم الصحافي الصرف».

ليس من سبب واضح لإيقاف البرنامجين، لكن قد يكون السبب واحداً من اثنين أو كليهما: الأول، هو انتقاد داوود أوغلو لقمع الحريات الصحافية في تركيا، واعتباره أن «الرقابة الذاتية أسوأ من الرقابة الخارجية. الرقابة الذاتية تدمّر شخصية الإنسان. والمشكلة الأولى في العالم الإسلامي انعدام حرية التعبير». وقال إنه بذل جهوداً كبيرة للتعبير عن رأيه في التعديلات الدستورية لتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، لكن أحداً لم يتجاوب ولم يجرؤ على إجراء مقابلة معه. وأضاف: «عندما تكون هناك حرية تعبير تُحلّ كل المشكلات، وإذا فُقدت فلن تحل مشكلة واحدة... إننا نمرّ في المرحلة الأكثف من الرقابة الذاتية». وبذلك، ضاقت السبل أمام السلطة وعاقبت الذين أجروا المقابلة. ومما قاله داوود أوغلو من كلام لافت، أن رجب طيب أردوغان كان يريد منه أن يتصرف «كما لو أنه رئيس للحكومة وليس رئيساً فعلياً للحكومة»، وهو ما كان يرفضه، قائلاً إنه عارض منذ اللحظة الأولى التحالف بين حزب «العدالة والتنمية» وحزب «الحركة القومية»، و«قلت لأردوغان ذلك منذ اللحظة الأولى».
السبب الثاني المحتمل، علاقة روسيا بالموضوع، حيث يقال إن إعطاء البرنامج أولوية لمناقشة صفقة صواريخ «أس 400» كان وراء انزعاج موسكو، التي أوعزت إلى إدارة «سبوتنيك» بإغلاق البرنامجين. وقد تعجّب أحمد حاقان في صحيفة «حرييت» من «اندهاش البعض من خطوة الإغلاق، إذ إن أحداً لا ينتظر من فلاديمير بوتين موقفاً مدافعاً عن حرية التعبير والصحافة». أما الكاتب المعارض والشهير، حسن جمال، فكتب: «لقد جاءت التعليمات من موسكو... لكن لا بوتين ولا دولت باهتشلي (زعيم حزب الحركة القومية) سينقذان أردوغان».
على الرغم من هذه الحادثة، فإن البعض لا يرى أن أحمد داوود أوغلو يسعى جدياً ليكون منافساً لأردوغان أو لتشكيل حزب جديد. فالكاتب الإسلامي المعروف، أحمد طاش غيتيرين، يرى في صحيفة «قرار» أن داوود أوغلو لا يزال يتحدث كواحد من «داخل» حزب «العدالة والتنمية». ولو استُدعي، وفقاً للبعض، ليتولى رئاسة الحزب لهرع إليها (علماً أن أردوغان هو نفسه، بموجب الدستور الجديد، رئيس الحزب، ولكن بعد هزيمة إسطنبول البلدية، بدأ النقاش حول إمكانية الفصل بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحزب)، مع أنه يرفض التهمة الموجهة إليه بأنه يريد «العدالة والتنمية» بدون أردوغان. ويرى آخرون أن على داوود أوغلو، إذا كان يريد أن يبلور تموضعه، أن يتحدث بوضوح كمعارض، في حين أنه في المقابلة لم يجب عن تحرك علي باباجان وعبد الله غول، ولماذا لا ينسق معهما، بل تمنى لو أن الحزب الحاكم «يعيد إصلاح نفسه».
تطرح هذه «الحوادث» مأزق المعارضة التركية الآتية تحديداً من رحم «الحالة الإسلامية». فداوود أوغلو نفسه قال في المقابلة إن سياسة تركيا تجاه سوريا مسؤولية مشتركة بينه وبين أردوغان وغول. وهذا يفتح باب الشك في ما إذا كان الفارق الأيديولوجي قائماً بالفعل بين معارضة الثلاثي علي باباجان ـــ عبد الله غول ــــ أحمد داوود أوغلو، وبين رجب طيب أردوغان، ليكونوا بديلاً فعلياً منه. وتجربة أكمل الدين إحسان أوغلو، الإسلامي، في الترشح لرئاسة الجمهورية ضد أردوغان عام 2014 كمرشح للمعارضة كانت فضيحة بحد ذاتها، حيث نال 38.5% فقط من الأصوات، مقابل 51.7% لأردوغان، بعدما لم يصوت له الكثيرون من العلمانيين ومعظم الأكراد والقوميين، لأنهم لم يروا فيه بديلاً جدياً، بل مجرد «نسخة أخرى» من أردوغان، على الرغم من أن الحديث طفا حينها عن دعم سعودي ــــ مصري ــــ إماراتي له. لذلك، إن مثل هذه «الظواهر» قد لا تكون صوتية، لكنها غير قادرة على أن تكون بديلة. وما يمكن أن تفعله، إضعاف أردوغان وقضم جزء من قاعدة حزب «العدالة والتنمية»، وقد تكون كافية للمساهمة في نجاح مرشح جدي علماني حقيقي من المعارضة في حال توحدها.


التعليقات

إدارة الموقع ليست مسؤولة عن محتوى التعليقات الواردة و لا تعبر عن وجهة نظرها

لا يوجد تعليقات حالياً

شاركنا رأيك

Create Account



Log In Your Account