عاجل

مياه الشرب تهدد الأميركيين بـ"أمراض خطيرة"    هل زودت تركيا إسرائيل بالمعلومات لصد الهجوم الإيراني ؟    الميادين: نيران من لبنان باتجاه هدف عسكري في محيط عرب عرامشة    

اذا اردنا ان نعرف ماذا في "صفقة القرن" فعلينا ان نعرف كيف يفكر نتانياهو! ..بقلم بسام العنتري

2019-07-26

اذا اردنا ان نعرف ماذا في "صفقة القرن" فعلينا ان نعرف كيف يفكر نتانياهو!  ..بقلم بسام العنتري

 

اذا شئنا اسقاط مقولة (حسني البورظان) على الواقع الحالي، فان صيغتها تصبح كالتالي: "اذا اردنا ان نعرف ماذا في (صفقة القرن) فعلينا ان نعرف كيف يفكر نتانياهو!". فكل ما يريده نتانياهو، ويوسوس به لترامب، سنجده في نهاية المطاف موجودا ومنصوصا عليه في الصفقة.

أتذكرون الفنان السوري الراحل نهاد قلعي (حسني البورظان) وجملته الشهيرة في مسلسل (صح النوم) والتي ظل يرددها كاستهلال لمقال صحافي لم يتمكن من إتمامه ابدا: "إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، فعلينا أن نعرف ماذا في البرازيل؟".

وهل تذكرون رفيق مشواره الفني دريد لحام (غوار)، وقصيدته "السوريالية" التي اثارت شجن القبضاي (أبو عنتر) في مسلسل (وين الغلط)، ويقول في مطلعها "زنجية شقراء سكنت في بيضة دجاجة!".

لم نفهم حينها ما الذي جعل أبا عنتر يتأثر بهذا القدر للقصيدة، رغم افتقارها الى أي منطق، ورغم انه لم يفقه منها شيئا.

وبمناسبة تقليعة الحديث الرائجة هذه الايام حول "صفقة القرن"، أجدني غير قادر على مغالبة اغراء عقد المقارنات بين مشهد غوار وأبي عنتر، وحالنا كشعوب عربية مع محللينا وسياسيينا الذين جعلتنا اراؤهم نعيش في تخبط وعدم يقين بشأن الصفقة.

فهؤلاء المحللين والسياسيين في واقع الامر، لم يفتأوا يلقون علينا لعثمات غير مفهومة وأضغاثا مغمسة بالتمنيات ونظريات المؤامرة حول ماورائيات وغيوب الصفقة، ونحن كجمهور متفرج مغلوب على أمره، نثور ونسكن ونغضب ونرضى بفعل ما يصبونه في آذاننا، رغم اننا لا نفقه منه شيئا، بل ولا يزيدنا إلا ضلالا.

محللونا وسياسيونا العرب لم يفتأوا يلقون علينا لعثمات غير مفهومة وأضغاثا مغمسة بالتمنيات ونظريات المؤامرة حول ماورائيات وغيوب الصفقة

أما مشهد البورظان الغارق في سؤال "ايطاليا والبرازيل"، فأرى انه رغم سخريته ظاهريا، لكنه جدير بالاهتمام. بل لعله السبيل الاوحد المتوافر لنا حاليا من اجل فهم بعض جوانب الصفقة بطريقة تتحرى المنهج العلمي.

واذا شئنا اسقاط مقولة البورظان على الواقع الحالي، فان صيغتها تصبح كالتالي: "اذا اردنا ان نعرف ماذا في (صفقة القرن) فعلينا ان نعرف كيف يفكر نتانياهو!".

ففي المحصلة، ودون اغراق في التفاصيل الفرعية التي يعرفها الجميع، كل ما اراده نتانياهو، ووسوس به لترامب، سنجده في نهاية المطاف موجودا ومنصوصا عليه في الصفقة.

نماذج أندورا وكوستاريكا وبورتوريكو

يسجل التاريخ أن تفكير وتصور نتانياهو للحل وللكيان الفلسطيني ضمن اي اتفاق سلام مع الفلسطينيين، قد تطور عبر ثلاثة مراحل اساسية، استلهمت الاولى نموذج إمارة أندورا، والثانية جمهورية كوستاريكا، وأخيرا بورتوريكو.

بالنسبة لاندورا الواقعة بين فرنسا واسبانيا، والتي لا تزيد مساحتها عن بضع مئات الكيلومترات وسكانها ثمانون الفا او يزيدون، أراد نتانياهو من طرح نموذجها ان يغري الفلسطينيين بقبول تحولهم الى كيان مماثل يرفل بالرفاه اقتصاديا ومعيشيا، تديره حكومة محلية منتخبة، ومعترف به دوليا، لكنه بلا جيش ولا مطار، ورئاسته الصورية تتقاسمها فرنسا واسبانيا.

لم يبلع الفلسطينيون الطعم، بل لم يعيروه أكثر من السخرية. ولكن مع دخولهم في السنوات اللاحقة في دوامة الضعف المطبق بفعل تراجع الدعم العربي لقضيتهم، اعتبر نتانياهو ان الفرصة سانحة لمحاولة الترويج لنموذج آخر، هو كوستاريكا، التي سرحت جيشها اواسط القرن الماضي بعدما اعيتها الانقلابات المتتالية التي كان يقودها، وهي الاخرى تعيش في رفاه.

تاريخيا، تطور تصور نتانياهو لشكل الكيان الفلسطيني المستقبلي عبر ثلاثة مراحل اساسية، استلهمت الاولى نموذج إمارة أندورا، والثانية جمهورية كوستاريكا، وأخيرا بورتوريكو

كان نتانياهو يريد من هذا الطرح اقناع العالم برؤيته لكيان فلسطيني منزوع السلاح، وعينه فعليا لم تكن على الضفة الغربية، بل على قطاع غزة وأسلحته التي تؤرق اسرائيل وتمتلكها المقاومة ممثلة بحركة حماس والحركات الاسلامية والوطنية الاخرى.

وأيضا مر هذا الطرح مرور الكرام، وبلا طائل.

وحين أطلت الترامبية بسخائها الاسطوري على الدولة العبرية، انفتحت شهية نتانياهو على ابتلاع الضفة الغربية، فاستحضر نموذج بورتوريكو. وهو الان يعتقد جازما ان الظروف مهيأة تماما لتمرير هذه الفكرة، خصوصا بعدما اندثر دور العالم العربي كعمق مؤثر للفلسطينيين يمكن ان يعيق خططه، وباتت دويلاته ملتفتة عنهم ومنشغلة بقلع اشواكها الداخلية.

وبورتوريكو لمن لا يعرف، ارخبيل تنازلت عنه اسبانيا للولايات المتحدة في عام 1898، ويتمتع سكانه بالجنسية الاميركية منذ عام 1917، لكن لا يحق لهم المشاركة بالانتخابات في الولايات المتحدة، وهم في المحصلة في شبه اتحاد معها حاليا.

كلمة السر هي أن البورتوريكيين لا ينتخبون. بمعنى انه اذا ضم الضفة فسوف لن يؤثر عدد سكانها في المعطيات الانتخابية الاسرائيلية، لانهم سيصبحون اسرائيليين بالجنسية، ولكن لا كلمة لهم في صناديق الاقتراع الاسرائيلية. وطبعا اذا اضفنا الى هذه المعادلة قانون القومية الذي يعطي اليهود حصرا حق تقرير المصير في ما يعتبرونه دولتهم، فتكون القصة قد اكتملت.

* جذور رؤية نتانياهو للحل

جذور رؤية نتانياهو للحل النهائي للقضية الفلسطينية، وهي رؤية تطورت وتبدلت مع السنوات لكنها احتفظت بجوهرها، تعود الى بدايات توليه رئاسة الحكومة الاسرائيلية في تسعينيات القرن الماضي. وقد كشف عنها في مقابلة متلفزة اجراها معه السير ديفيد فروست عام 1997، وتطرقت خصوصا الى شكل الكيان الفلسطيني المستقبلي، وقضيتي اللاجئين والقدس.

قال نتانياهو في المقابلة وهو يرد على سؤال لفروست حول رؤيته لحق الفلسطينيين في الاستقلال بدولة وفي تقرير المصير:

"اذا قلنا انه في كل مكان تجد مطلبا بالاستقلال ويتم الحصول على ذلك الاستقلال، فسوف تخلق تشظيات لها تبعات هائلة حول العالم، وسنشهد ظهور دول فرعية، كل منها لها جيشها، واسلحتها، اسلحتها التقليدية، وربما غير التقليدية. ونحن نقول، حسنا، ما هو الخيار؟ انه إما الاخضاع او حق تقرير المصير. وأنا أظن أن هناك طريقا ثالثا، حق تقرير مصير متوازن (يتيح) سلطات لتلك المجموعة القومية او العرقية، ولكن ليس كل السلطات".

نتانياهو: "حسنا، ما هو الخيار؟ انه إما الاخضاع او حق تقرير المصير. وأنا أظن أن هناك طريقا ثالثا، حق تقرير مصير متوازن (يتيح) سلطات لتلك المجموعة القومية او العرقية، ولكن ليس كل السلطات"

حينها تدخل فروست قائلا: "اذا نحن نتحدث عن "دويلة"، أو هل هناك كلمة اخرى لهذا؟"؟

فرد نتانياهو بالقول: "أتعلم، اقع في الكثير من المتاعب كلما خضت في هذا. في كل مرة اواجه بذلك السؤال، وإذا تمت مواجهتي بسؤال: "هل تؤيد الدولة؟ أقول لا. وإذا سألتني "دويلة"، صدقني، سيصبح هذا مانشيتا للصحافة حول العالم".

سأخبرك بشئ حصل معي، كنت اجلس في هذه الغرفة، في هذه الغرفة بالضبط، مع سفراء من احدى القارات، وقالوا لي "حسنا، ماذا بشأن دولة فلسطينية؟"، فأعطيتهم هذه الاجابة. فقالوا "حسنا، ماذا بشأن حق تقرير المصير؟"، فقلت "حسنا، ماذا تعنون بذلك؟ هل تعنون، وبدأت باعطاء أمثلة: "هل تعنون اندورا؟ هل تعنون هذا؟ هل تعنون ذاك؟". المانشيت في اليوم التالي كان: "نتانياهو يفضل حل أندورا".

وافقه فروست في هذا قائلا: "قرأت ذلك. كان حل أندورا او حل بورتوريكو".

فأجاب نتانياهو مستدركا: "أو بورتوريكو، نعم. اعطيت بضعة أمثلة. كما ترى، أنا الان أحرص على عدم ذكر الكثير من الاسماء. لكن قلت: "ماذا تعنون بذلك؟". لم اقل اي شئ حاسم. حسنا، خلاصة القصة هي أنني ذهبت الى مؤتمر لشبونة،  وكان كل رؤساء دول أوروبا هناك، وكنت انا ايضا مدعوا. وتناولنا غداء رائعا في القصر هناك في لشبونة، وسار نحوي أحد السادة وقال "أنا رئيس وزراء أندورا"، فقلت "أسمع اننا أسأنا اليكم" لانني كان لدي بعض القلق. قال: "لا، كرامة لله، لا تُتخي نموذج اندورا. حظينا باهتمام لم نحظ بمثله منذ ثلاثين عاما. الناس يأتون، الناس مهتمون" والى ما هناك. حسنا، لم اعطها اسما، ولم اعطها اسما بعد، ولكنني سأفعل".

عند هذه النقطة، الح فروست بالسؤال: "حل اندورا؟". فأجاب نتانياهو "حل سنعرضه من اجل التوصل الى تسوية نهائية. وبالمناسبة، اعتقد ان بامكاننا التوصل الى حل بيننا وبين الفلسطينيين. اعتقد ان (القضية) قابلة للحل. صعبة، لكن قابلة للحل".

"علينا ان نحل مشكلة مواءمة أمننا مع رغبتهم في الحرية وإرثنا، مطالبنا التاريخية مع مطالبهم. وفكرتي لحلها هي بطريقة يدير فيها (الفلسطينيون) شؤونهم الخاصة. لديهم حكومة ذاتية، يختارون ممثليهم، يشرعون قوانيهم. يجبون ضرائبهم. يديرون كل مناحي حياتهم دون تدخل منا. انه حكم ذاتي. لكن تلك السلطات التي يمكن ان تهدد اسرائيل، ومصالحنا الاساسية، بما فيها أمننا، ستبقى تحت سيطرة اسرائيل".

نتانياهو: "السلطات التي يمكن ان تهدد اسرائيل، ومصالحنا الاساسية، بما فيها أمننا، ستبقى تحت سيطرة اسرائيل"

"يجب ان تكون هناك قيود على السلطات في هذه المناطق (الضفة الغربية)  كل سلطات كيان الحكم الذاتي التي يمكن ان تهدد اسرائيل. وما اقترحه بالضبط هو ان ندعهم يحصلون على  اكثر انواع الحكم الذاتي سخاء، بعيدا عن هذه السلطات السيادية التي يمكن ان تهددنا وان تهدد السلام، هذه هي الفكرة التي في مخيلتي".وحين سأله فروست: "هل يمكنهم امتلاك جيش حسب تعريفك هذا؟ أجاب: "لديهم بالفعل قوة مسلحة الان. حوالي 24 او 25 الف شخص. من الواضح انها (القوة) اذا نمت، فستغدو تهديدا أساسيا. هي كافية بالنسبة لهم من اجل السيطرة على الامن الداخلي. ينبغي ان ضمن هذه الحدود حتى لا تهدد أمننا".

سأله فروست ايضا: "هل سيكون بمقدورهم ابرام معاهدات مع دول اخرى بحسب تعريفك"، فرد نتانياهو على الفور: "لا". ثم استدرك قائلا: "حسنا، ليس معاهدات عسكرية".

وعما اذا كان بمقدور الكيان الجديد استقبال فلسطينيين عائدين من الشتات، قال نتانياهو: "هذا موضوع شائك". واستفهم من فروست إن كان يقصد عودة الفلسطينيين "الى داخل مناطق سيطرتهم؟"، وحين اجابه الاخير بنعم، قال أن "هذا ا مر سيكون علينا التفاوض بشانه".

نتانياهو: القدس اليوم "مفتوحة لكل الديانات الثلاث. وهي لم تكن كذلك الا تحت السيادة الاسرائيلية، وهكذا ستبقى"

قال له فروست: "عندما التقيت ياسر عرفات اخبرني ان هناك نحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات، وان نحو نصف مليون منهم كحد اقصى سيرغبون في العودة. هل يمكن التاقلم مع هذا العدد". فعاود نتانياهو السؤال: "الى منطقة الحكم الذاتي ؟" فأجاب فروست مجددا: "نعم".

وأيضا عاود نتانياهو نفس مضمون الاجابة الاول: "سيكون علينا مناقشة هذا. بالطبع ليس الى اسرائيل، اسرائيل كما تعلم دولة صغيرة".

وبالنسبة لوضع القدس لخص نتانياهو رؤيته قائلا: "القدس كانت عاصمة الشعب اليهودي لثلاثة الاف عام. تم سلبها منا. كانت مقسمة، كان هناك "جدار برلين" مبنيا فيها على مدى 19 عاما، حتى عام 1967. الان هي مدينة مفتوحة. هي مفتوحة لكل الديانات الثلاث. وهي لم تكن كذلك الا تحت السيادة الاسرائيلية، وهكذا ستبقى".

"هل هناك احد يعتقد اننا يمكن حقا ان نسمح باعادة بناء "جدار برلين" في وسط مدينتنا؟ وأنه سيكون لدينا سلك شائك مرة اخرى؟ وأننا سنمزق المدينة مرة اخرى الى اثنتين. هذا لن يحصل".


التعليقات

إدارة الموقع ليست مسؤولة عن محتوى التعليقات الواردة و لا تعبر عن وجهة نظرها

لا يوجد تعليقات حالياً

شاركنا رأيك

Create Account



Log In Your Account