عاجل

مياه الشرب تهدد الأميركيين بـ"أمراض خطيرة"    هل زودت تركيا إسرائيل بالمعلومات لصد الهجوم الإيراني ؟    الميادين: نيران من لبنان باتجاه هدف عسكري في محيط عرب عرامشة    

الحلم العزيز.. الطلاق السوري الروسي .. بقلم نارام سرجون

2020-05-13

الحلم العزيز.. الطلاق السوري الروسي  .. بقلم نارام سرجون

يبحث العالم عن خنجر بروتوس ويتجول به وينقّله بين القلوب والارواح .. مخيف خنجر بروتوس لأنه يحكي عن حكاية الوعد والعهد بين الجسد والخنجر حيث نسي الخنجر الوعد .. كان الخنجر يمزق الجسد ويمزق فيه كل المواثيق في جسد قيصر .. وحكاية الخنجر لاتزال تلهم كل من أنهكته وحيرته حكايات الحلفاء والاصدقاء .. سورية وروسيا وايران وحزب الله..

يحاول العالم ان يضع خنجر بروتوس في يد بوتين ليطعن الاسد .. وفي يد الاسد ليطعن بوتين .. يحلم العالم بحلم عزيز عليه ويبحث عن اي أمارة او اشارة تحقق له حلمه المستحيل اي ان يومض خنجر في يد أحد الحلفاء كي يلتقي الخنجر مع الجسد .. وبعدها تبدأ النهايات السعيدة للمشاريع الاميركية .. ففي يوم من الايام أفلح كيسنجر في ان يضع خنجر بروتوس في يد السادات الذي طعن فيه أصدقاء مصر بشكل مفاجئ .. ومنذ تلك الطعنة لم تشف الجراح..

 وهذا الحلم لدى أعداء سورية لم يبدأ في بداية الحرب على سورية بل بدأ منذ عقود وزمن الاتحاد السوفييتي .. الى ان ذاب الاتحاد السوفييتي كله ولم تذب العلاقة السورية الروسية .. وبقي العالم ينتظر ان يطعن أحد البلدين الآخر طعنة نجلاء .. ولكن العلاقة السورية الروسية بقيت متماسكة كأنها تعويذة وقدر بعد غياب الاتحاد السوفييتي .. ومع اعتقاد العالم ان أيام الاسد معدودة انبثق الحلم من جديد لأن روسيا تركت ليبيا وتركت صربيا وتخلت عن العراق وخيّل للمعارضين أن القدر ايضا سيتغير مع سورية لأول مرة .. وظن المعارضون ان روسيا تبحث عن اي ثمن لتبيع العلاقة القديمة الفولاذية مع سورية وصار هناك بحث عن ثمن روسيا في سورية .. وسمعنا نظريات عجيبة عن ان روسيا تفاوض وانها تفض العروض لتسليم مفاتيح دمشق التي كانت بيدها .. وسمعنا أشياء مضحكة من ان المعارضة او الحكام الجدد لدمشق وعدوا روسيا بميناء طرطوس ثمنا يليق بتخليها عن حليفها الازلي .. وهؤلاء المعارضون كانوا يبيعون سوريا كقطع الخردة من أجل السلطة فقدموا لواء اسكندرون هدية شكر وعرفان لاردوغان وتخلوا عن الجولان لاسرائيل .. ولذلك كانت فكرة التخلي عن ميناء طرطوس سهلة ويسيرة وهي ثمن بخس جدا مقابل الحلم الذي يتحقق .. ولو طلبت كل دولة في العالم قطعة ترضية سورية من المعارضة فلن تمانع لان السلطة غايتها والاستقلال والارض هي ابخس الاثمان..

ولكن فوجئ الجميع أن روسيا لم تغير الأقدار ولم تغيرها الاقدار .. وذهب السعوديون والقطريون وحقائبهم ملأى بالعقود التي يسيل لها لعاب التجار والسماسرة .. وفتحوا حقائب الذهب والمال والاستثمارات أمام القيادة الروسية .. ولكن الجواب ان أغلق بوتين الحقائب بهدوء ثم مد يده وصافحهم وشكرهم وقال لهم (شكرا لزيارتكم) .. وغادر القاعة وهم لايصدقون .. وعادوا بحقائبهم كما كانت..

شيء عسير على الفهم سر هذا التمسك بسورية الحالية وسورية السوفييتية .. وفي كل مرة يخرج البعض بتوقعات ان ماكان حلما ظهرت بشارته في هذا التصريح او ذاك .. ولاأزال اذكر كيف ان الروس كانوا يلعبون بأعصاب المعارضين والغرب لعبة دهاء سياسي في توزيع التصريحات لتشويش الخصم وارباكه .. ناهيك عن ان روسيا دولة مرنة وتطلق بالونات اختبار للمعارضة والغرب في تصريحات ملتبسة .. . فيقول وزير الخارجية الروسي كلاما شديد اللهجة ضد الغرب كلما قرر مهاجمة سورية فيما يتولى مسؤول روسي آخر اطلاق تصريحات رخوة واحيانا مسايرة للمزاج الغربي ويطلب من الاسد التفكير بخيارات أخرى غير الرفض .. فيما آخر يعبر عن اعتقاده ان الاسد لم يعد قادرا على المناورة .. بل ان الروس وافقوا على صيغة اتفاق جنيف 1 الراحل الذي كان يعني تشكيل حكومة واسعة الصلاحيات على حساب صلاحيات الرئيس .. اي حكم صوري للرئاسة قبل الاستيلاء عليها .. ولكن في النهاية تبين ان العلاقة الروسية السورية متينة جدا وان كل الامنيات يجب ان تتوقف عن الهذيان .. ومع كل تصريح روسي ملتبس تؤلف اطروحات ونقاشات ومشاريع وقراءات جيواستارتيجية .. ولكن في الفراغ .. فكل الاقدام تمشي في الفراغ

الغريب ان الامنيات وأحلام العصافير لاتتوقف .. واليوم تنسج قصة خيالية عن ان اردوغان اوقع بين الاسد وبوتين .. وهناك من يؤكد وكأنه كان في اللقاء الخاص بين بوتين واردوغان وفيه تنازل بوتين عن ادلب وعفرين كجائزة ترضية لاردوغان .. واستمع البعض لما تتداوله صحف روسية عن الداخل السوري .. وربط البعض بين القضية المالية الخاصة بالسيد رامي مخلوف وبين مطالب روسية بديونها التي يجب تحصيلها بملاحقة الاثرياء السوريين (الفاسدين) .. في مقاربة تشبه مافعله الامير محمد بن سلمان الذي استولى على أموال الامراء في فندق الريتز لتأمين عقود الصفقات التي طلبها ترامب .. رغم ان روسيا لاتقلد اميريكا في سيرتها وعلاقاتها ولها دوما مقاربة مختلفة وكذلك فانها لايعنيها مايجري في الشأن الداخلي السوري .. وهي التي رفعت في وجه الغرب حجتها في رفض تطبيق اي وصاية على القرار السوري واستندت الى شعار (القرار السوري الوطني جزء من القرار السيادي المستقل الذي لايمكن التدخل فيه لاقرار اي نوع من السياسات او الاصلاحات الخارجية)>>

لاأذكر ان هناك علاقة تعرضت لهذا الكم الهائل من الاستهداف والشائعات والتشكيك المتلاحق مثل العلاقة السورية الروسية .. رغم ان مافعله الروس في سورية استثائي وصل بهم الى حد مواجهة الناتو .. ومع ذلك لايمل البعض من ترويج فكرة ان روسيا وصلت الى خط النهاية .. في كل يوم خط نهاية منذ عشر سنوات … والدليل اليوم وفق زعمهم ان الصحف الروسية وجهت سهامها الى الداخل السوري وأصابت الاسد..

وللأسف هنك كتابات واجتهادات على الفيسبوك تريد ان تحاسب روسيا وكأنها دولة وصاية ومنتدبة ويجب عليها ان تنفذ واجباتها بالحرب على الجميع وتحرير سورية كأنها دولة تحت وصايتها وان تحرير سورية مهمة روسية قبل ان تكون سورية وترفض اطلاق الهدنات كما لو ان على روسيا ان تخوض معركة ستالينغراد والا فانها لاتستحق العلاقة معها .. ولايفهم البعض هذا التباين في التقديرات السياسية الروسية والسورية الا على انه نهاية الاقدار التي وصلت .. والبعض صار يرى السلوك الروسي في التريث سلوك الفرض والاكراه واللجم طالما ان روسيا لاتسير معنا كظلنا .. ولكن لانحن نريد ان نكون ظلا لروسيا ولا روسيا نريدها ان تكون ظلا لنا .. وغير هذا هو سوء فهم للتحالف لأن هذا السلوك واللحاق بالظل لايليق بنا ولا بروسيا كدول تحترم بعضها .. فالتحالف هو تلاقي مصالح كثيرة وانفصال في مصالح أخرى .. وهذا الفهم يعطي الدولة السورية نوعا من المناورة والهامش الواسع كي لاتصبح سورية ملزمة بكل قرارات روسيا اذا التزمت روسيا بكل قرارات سورية..

العجيب أكثر ان هناك من يفهم التريث الروسي في ادلب على انه يخفي الصفقة الروسيىة التركية في تسليم ادلب لتركيا .. وهذا الاتهام لايختلف برأيي عن اتهام الدولة السورية دوما انها في اتفاق اضنة تخلت عن لواء اسكندرون نهائيا رغم انه لايوجد مسؤول تركي تجرأ وقال ان اتفاق اضنة يضمن سيادة تركيا على اللواء السليب الى الابد باعتراف رسمي سوري بالوثائق .. لأن الحقيقة هي انه لاتوجد اي وثائق ولاتنازلات .. واليوم يروج ان روسيا تخلت عن ادلب دون ان يكون هناك اي دليل على ذلك سوى ان بعض الاعلاميين والصحفيين يرون السطح في العلاقات ولايرون الاعماق .. وهم لايفهمون الموقف الروسي على انه موقف دولة ويقدّر ان في الداخل الروسي تيارات صهيونية مؤثرة وتمارس الضغط على الرئيس بويتن .. بل وان بوتين على تماس مباشر مع اميريكا والناتو بشكل مباشر بالنار في سورية وهو يجب ان يكون دقيق الحركة في حقول الالغام الكبرى .. فاسقاط السوخوي عام 2016 كان فخا اطلسيا لاحراجه في الداخل الروسي .. لأن هناك من يصوره في روسيا على انه يأخذ الروس في مغامرة محفوفة بالمخاطر وهو يخسر بالتالي العلاقة الحساسة والضرورية مع الغرب ويخضع لحصار اميريكي وحرب باردة وذلك من أجل الاسد وسورية..
هناك اسئلة يجب ان نعرف أجوبتها عند تحليل المواقف والاستعانة بالاسئلة سترشدنا الى النتائج الصحيحة دون الحاجة لاي تحليل:

ان أي جزء من سورية لايمكن لبوتين ان يتنازل عنه لأحد او يتفاهم مع احد على السيادة فيه لأن هذا الامر سيطيح بكل انجاز روسيا في سورية ويربك مصداقيتها في الشرق الاوسط والعالم لأن التفاهم السوري الروسي لم يكن على ان تتصرف روسيا في اي جغرافيا سورية بحرية او تفاوض بالنيابة عن الدولة السورية ودون موافقتها ولايوجد اي وثيقة تعاون تسمح لروسيا ان تتصرف باي بقعة جغرافية دون العودة للدولة السورية .. اما اذا قررت عدم الاشتراك في معركة فذلك يخصها ولاتستطيع فرضه على القوات السورية وحلفائها اذا قرروا الاستمرار .. والاهم ان روسيا ان فعلت ذلك فانها قطعا ستحرج حليفها الرئيس بشار الاسد وتضعف موقفه كثيرا بشأن التعاون معها مستقبلا.. وهي تدرك مقدار الحساسية الذي سيخلقه انفرادها بحل في اي قطعة جغرافية دون موافقة الاسد او اظهاره انه مرغم عليه .. فهذا لن يضعف موقعه فحسب بل سينعكس ذلك ضعفا في الموقف الروسي في سورية لأن قوة روسيا في سورية هي من قوة الاسد في الداخل .. وان حدث هذا فانه يشبه موقف المزارع الذي زرع شجرة وبعد عشر سنوات كبرت الشجرة فقرر ان يقيم حفل العاب نارية تحتها لاصدقائه فأحرق الشجرة التي بناها ورعاها .. ولذلك فان من مصلحة روسيا جدا ان تنأى بنفسها عن اي مظهر من مظاهر المساومة التي يريد اردوغان والغرب اظهاره واقناع السوريين به .. ورغم ذلك فان معسكر الخصوم لايتوقف عن بث شائعات عن مساومات روسية تركية حتى يصدق البعض الشائعة .. كما فعل الاسرائيليون مع الفلسطينيين بعد مؤتمر مدريد .. ففي كل يوم يخرج تقارير تؤكد توصل السوريين الى اتفاق مع الاسرائيليين بشأن الجولان وان الاتفاق انجز .. وصارت الاخبار ضاغطة نفسيا على الفلسطينيين الذين روج معسكر السلام (عباس وجماعته) ان الفلسطينيين سيتركون وحدهم بعد خروج مصر في كامب ديفيد والعراق بعد عاصفة الصحراء وسورية بعد اتفاق سري وعليهم الاسراع في تنفيذ اتفاق سريع .. فكان أوسلو الكارثة .. والفخ القاتل..

هذا النوع من الاخبار هو حرب نفسية لخلق اجواء عدم ثقة شعبية بالحلفاء مما يشكل ضغطا نفسيا لايقبل الوساطة الروسية ويجعل اي تفاهم بين الروس والسوريين محكوما بمزاج الشارع وليس بمزاج القيادات..

ولاشك ان تأجيل تحرير ادلب ينحى باللائمة فيه على الاتفاقات الروسية التركية .. والغريب ان من يوجه اللوم الى الجانب الروسي نسي الاهانة التي تلقاها اردوغان وجيشه في الضربة العسكرية القاتلة لقواته المتقدمة في ادلب والتي لايشك احد انها تمت بمعرفة روسية مطلقة ومباركة من موسكو .. ولم ينس اردوغان الاستقبال المهين على الباب في الكرملين والذي تعمد الروس اطلاقه الى الاعلام لاذلاله بسبب تلكؤه في تنفيذ تعهداته .. ولذلك فان اردوغان يريد ان يطيل امد بقائه في ادلب وتصوير كل مايفعله على انه اتفاق مبرم مع الروس .. فربما افلحت الدعاية والشائعات والتقارير المندسة عن حشود آلاف الجنود الاتراك في خلق شكوك شعبية سورية كبيرة تنعكس في ضغط شعبي سوري على القيادة السورية للضغط على القيادة الروسية .. وربما من هذه النقطة من الشكوك المتبادلة يبدأ الفراق..

ومن كل ذلك ليست من مصلحة روسيا ان تترك اردوغان في ادلب او ان تترك له اي شيء في سورية .. وهي ليست معنية بالملفات السورية الداخلية في سياستها الرسمية .. ولانملك لكل من يزور العلاقة الروسية السورية في كل يوم ويشكك بها سوى أن نمد يدنا اليه لنصافحه ونقول بهدوء: شكرا لزيارتكم .. ونعيد ونحن نحدق في عينيه: شـ كـ ر ا .. لزيارتكم..

 


التعليقات

إدارة الموقع ليست مسؤولة عن محتوى التعليقات الواردة و لا تعبر عن وجهة نظرها

لا يوجد تعليقات حالياً

شاركنا رأيك

Create Account



Log In Your Account