تنافس بين الأسهم والعقارات والذهب .. أين تتجه الاستثمارات الآسيوية بعد إفلاس FTX؟


أدى إفلاس منصة تداول العملات المشفرةFTX إلى إثارة القلق والفزع في الأسواق الاستثمارية للعملات المشفرة.

وباتت المؤسسات الاستثمارية على مستوى العالم تطرح تساؤلات حول التوجهات المستقبلية لرؤوس الأموال، تحديدا التي اعتادت على الاستثمار في العملات المشفرة في الأعوام الأخيرة، وكيف لها أن تعيد تموضعها في الأسواق في المرحلة المقبلة، خاصة مع تنامي حالة عدم اليقين الاقتصادي في الأسواق الدولية وارتفاع معدلات التضخم، والصدمة التي أصابت الأسواق بعد إفلاسFTX.

لكن السؤال الأكثر إلحاحا على المستوى الدولي فكان يتعلق برؤوس الأموال الآسيوية والاتجاه الاستثماري الذي ستتبناه في الفترة المقبلة.

الاهتمام برؤوس الأموال الآسيوية وتوجهاتها الاستثمارية يعود إلى أنه وبعكس الأسواق العالمية الأخرى التي تشعر بضغوط عنيفة نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، فإن منطقة آسيا والمحيط الهادئ واحدة من المناطق القليلة التي تنمو اقتصاداتها، وقد أوجد ذلك الوضع الإيجابي القوي لرؤوس الأموال الآسيوية والاهتزازات العنيفة في أسواق العملات المشفرة تكهنات بأنها ستعود إلى الاستثمار وبكثافة في الأصول التقليدية سواء الأسهم والسندات أو العقارات أو غيرها من أنماط الاستثمار التقليدي.

لكن ما ثقل المستثمرين الآسيويين في عالم العملات المشفرة، تحديدا في منصة التداول المفلسةFTX؟
يوضح المحلل الاقتصادي، إل. سكوتي المحلل المالي في مجال العملات المشفرة هذا الوضع بالقول "المستثمرون في آسيا أقل وزنا نسبيا في العملات المشفرة في الوقت الحالي، ووفقا للبيانات المتاحة عن العام الماضي يتم استثمار 19 في المائة فقط من الثروات العائلية في آسيا في العملات المشفرة مقارنة بنسبة 31 في المائة في أمريكا الشمالية و28 في المائة في أوروبا، مع هذا أشاد أكثر من نصف المسؤولين عن إدارة الثروات العائلية في آسيا - تحديدا 53 في المائة منهم - بالعملات المشفرة، باعتبارها استثمارا واعدا، رغم الهزة الأخيرة في الأسواق مقارنة بـ43 في المائة في أمريكا الشمالية و33 في المائة في أوروبا".

يعد المستثمرون الصينيون القوى الضاربة للقوى الاستثمارية في القارة الآسيوية عامة وفي شقها الشرقي على وجه التحديد، وهذا ما يجعلهم الأكثر سعيا إلى تعويض خسائرهم المالية من استثمارات غير محمية في بورصةFTX، إذ إن 8 في المائة تقريبا من المتعاملين في منصةFTX من الصين، على الرغم من أن القوانين المحلية تحظر التجارة في العملات المشفرة.

من جهتها، تقول جانيت ليون الخبيرة المصرفية في مجموعة نيت ويست المصرفية "الصين كانت أكبر ثالث سوق لـFTX من حيث قاعدة المستخدمين بعد المملكة المتحدة وجزر كايمان وجزر فيرجن وكلها ملاذات آمنة. والدرس الأول الذي استفاد منه رؤساء مجالس إدارة الصناديق الاستثمارية الآسيوية وكبار المستثمرين نتيجة إفلاس المنصة أنه من المهم تداول الأصول الرقمية في البورصات المنظمة أو الاستثمار في المحافظ التي تتداول في البورصات المنظمة".

وتضيف "المستثمرون الآسيويون سيكونون أكثر ميلا في المرحلة المقبلة إلى الاستثمار في الأسهم في دول مثل فيتنام وتايوان والهند وإندونيسيا وتايلاند وماليزيا، خاصة في شركات التكنولوجيا والبرمجيات وأيضا شركات المنتجات الاستهلاكية التي لديها نمو في الأرباح، وتحقق متوسط نمو لمدة خمسة أعوام متواصلة بنسبة 10 في المائة على الأقل، بينما تكون ديونها منخفضة أو معدومة، ويجب أن يكون هناك عائد على حقوق الملكية وعلى الأصول وعلى رأس المال المستثمر لا يقل عن 20 في المائة".

لهذا يعتقد عديد من الخبراء أن رؤوس الأموال الآسيوية ستعمل على استهداف الأصول التي تتفوق في الأداء عندما يتباطأ النمو الاقتصادي، لكن يمكنها أيضا أن تحقق أداء جيدا إذا عادت الأسواق إلى النهوض.

وهو ما يجعل جانيت ليون ترى أن صناديق السندات الصينية القابلة للتحويل التي تحقق عائدا ثابتا يراوح بين 4 و5 في المائة وتتداول حاليا عند مستويات منخفضة تاريخيا ولديها قدرة فريدة على حماية أموال المستثمرين عند هبوط الأسواق، تتمتع بجاذبية خاصة لرؤوس الأموال الآسيوية".

نطاق آخر من النطاقات التي يتوقع أن تستهدفها رؤوس الأموال الآسيوية في المرحلة المقبلة تتعلق بالقطاعات التي تندرج تحت فئة شركات الاتصالات والطاقة "النفط والفحم والغاز الطبيعي"، إذ إن تلك القطاعات ترتبط بطلب مرتفع في الوقت الحالي والمستقبلي.

مع هذا يرى أناند كريس الخبير الاستثماري أن المملكة المتحدة ستحصل على جزء كبير من الاستثمارات الآسيوية، نتيجة وصول الجنيه الاسترليني إلى أدني مستوياته منذ عدة عقود.

ويؤكد  أن الاستثمار في العقارات والساعات والسيارات الكلاسيكية في المملكة المتحدة أصبح أفضل بسبب تراجع قيمة الاسترليني، وعندما يفكر العملاء الآسيويون في المملكة المتحدة يتبادر إلى الذهن في الأغلب العقارات، لكن في الآونة الأخيرة ومع ارتفاع معدلات الرهن العقاري وعدم اليقين الاقتصادي، أصبح توليد العوائد من منظور العائد ومكاسب رأس المال صعبا، مع هذا لم يفقد الاستثمار العقاري في المملكة المتحدة جاذبيته لرؤوس الأموال الآسيوية التي يمكن أن تركز أكثر على الاستثمار في المحال التجارية والمكاتب أكثر من الاستثمار في المنازل.

ويقول "أيضا قطاع المجوهرات - خاصة بعد أن حقق الألماس والزمرد والياقوت أداء رائعا في الأعوام القليلة الماضية - فهو عنصر جذب للمستثمرين الآسيويين، وهذا يترافق بالطبع مع احتمال زيادة الطلب الآسيوي على الذهب، فإفلاسFTX أوجد ردة فعل بين المستثمرين بالابتعاد عن الاستثمارات عالية المخاطر والتحوط في الوقت ذاته من التضخم، ولهذا سيكون الذهب خيارا شائعا في الفترة المقبلة، لأنه يحافظ على قيمته، وغالبا ما ينظر إليه باعتباره ملاذا استثماريا آمنا، كما أن الأعمال الفنية باهظة الثمن خاصة المقومة بأقل من قيمتها ستكون جاذبة للاستثمار".

لكن هل يعني ذلك أن المستثمرين الآسيويين سيغادرون عالم العملات المشفرة بلا رجعة؟ يستبعد أغلب الخبراء حدوث هذا، فربما تكون شهيتهم للأصول الرقمية غير المنظمة والمتقلبة قد باتت محدودة، لكن الاستثمار فيما يعرف بالرموز الأمنية يكتسب زخما في منطقة آسيا والمحيط الهادي.

ويعرف الخبراء الرموز الأمنية بأنها أصل استثماري رقمي يمثل الملكية وينقل القيمة من الأصل إلى رمز معين. بتعبير آخر الرموز الأمنية هي الشكل الرقمي للاستثمارات التقليدية مثل الأسهم أو السندات، فالشركة التي ترغب في جمع الأموال لمشروع جديد يمكن أن تقرر إصدار ملكية مجزأة لشركتها من خلال رمز رقمي بدلا من إصدار الأسهم، ويمكنها بعد ذلك تقديم هذا الرمز المميز للمستثمرين في بورصة تسمح بتداول رموز الأمان الرقمية.

بدوره، يقول أن. دي سيراز الخبير في الاقتصاد الآسيوي "الرموز الأمنية والعملات المشفرة متطابقتان تقريبا، إذ يتم إنشاؤهما بواسطة سلسلة الكتلة، وكلتاهما رمزان، لكن الاختلاف الجوهري يكمن في الغرض والاستخدام المقصود والاستخدام الفعلي، فالعملة المشفرة مصممة لاستخدامها كعملة أو أموال أو طريقة دفع، ويقصد باستخدام رمز الأمان بالطريقة نفسها التي يتم بها استخدام الأسهم أو السندات أو الشهادات أو الأصول الاستثمارية الأخرى".

ويضيف "رؤوس الأموال الآسيوية - عبر الخبرات المتراكمة لديها من التعامل مع العملات المشفرة - لن تغادر هذه السوق، لكن ستحول استثماراتها إلى الرموز الأمنية، لأنها أكثر ضمانا من العملات المشفرة، ذلك على الرغم من أن الرموز الأمنية لا تستوفي معايير اعتبارها أوراقا مالية من قبل هيئة الأوراق المالية أو البورصات".

الاقتصادية السعودية

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=28988