آثار الحرب على الاقتصاد السوري.. الإعلامية مها جميل الباشا مقدمة: قبل الحديث عن الوضع الاقتصادي وانعكاسات الحرب التي شنت على سورية في 15/3 عام 2011 علينا ان نعكف إلى ما قبل الحرب حيث مر الاقتصاد السوري بالإخفاق مرة وبالنجاح مرة إلا أن الزراعة والصناعة كانتا من أهم مقوماته ... كيف لا وقد ساهمتا في تحقيق النهضة التنموية عبر إنشاء مؤسسات تابعة للقطاع العام لعبت فيها الدولة دوراً مهماً في توجيه الاقتصاد الوطني، كما قامت بتشجيع الحرفيين والصناعيين في القطاع الخاص بإقامة مؤسسات صغيرة ومتوسطة وتشجيع المبادرات الفردية وجلب رؤوس الأموال المهاجرة، هذه المبادرات ارتسمت مع ذكرى التصحيح.
لقد حقق الاقتصاد السوري بعض النتائج الإيجابية التي حُددت من خلالها بوصلة الاقتصاد من الإخفاق إلى النجاح ومنها الانطلاق نحو مواصلة بناء عدد من المشاريع أهمها الطرقات والجسور والسكك الحديدية. إضافة إلى شبكات الكهرباء والماء والاتصالات والتقنيات المتطورة وغيرها. هذه المشاريع المهمة ساهمت في تحقيق التوازن بين مستوى الأجور ومستوى الأسعار والذي اتضحت معالمه من خلال رفع القدرة الشرائية للمواطنين. ويجب ألا ننسى ما حققته معدلات نمو الإنتاج عام 1970 من زيادة إذ بلغ إجمالي الناتج المحلي نحو 6.8 مليارات ليرة سورية أي (136 مليون دولار) وحصة الفرد بلغت 1087 ليرة سورية عام 1980 وصلت إلى 51.2 مليار ليرة سورية (1.024 مليار دولار) عام 1980 لتصل حصة الفرد إلى 5890 ليرة سورية من هذا العام، بينما عام 1987 وصل معدل النمو إلى 127.7 مليار ليرة سورية (2.554 مليار دولار) وحصة الفرد 11643 ليرة سورية ليتراوح معدل النمو السنوي أولاً ما بين 7.5% و8.5%. ومعدل البطالة ثانياً حيث انخفض إلى 4% للعام 1987مقارنة مع الأعوام السابقة. غير أن هذه النتائج عرفت تراجعاً ملموساً بعد عام 1987، تجلى ذلك في انخفاض قيمة الليرة السورية بحوالي 12 ضعفاً وبالتالي قامت الحكومة في حينها باتخاذ بعض الإجراءات والخطوات القانونية مرفقةً بتقديم التسهيلات اللازمة للمستثمرين والتي نتج عنها تأسيس مجموعة من الشركات الزراعية التي أدت في وقتها إلى المساهمة في زيادة إنتاج المواد الغذائية التي ظهرت ملامحها في موارد تحقيق الأمن الغذائي ليبدأ الاقتصاد السوري عام 1988 بالانتعاش بشكل جيد جدا، ليكتمل عام 1991/ وتحديداً في 4 أيار بعد صدور القانون رقم (10) الخاص بتشجيع الاستثمار المحدد لمجالات الاستثمار المستفيدة من تسهيلاته، فقد أعطى هذا القانون لجميع المستثمرين وبغض النظر عن جنسيتهم الحق في إقامة المشاريع الاستثمارية دون اشتراط مشاركة المواطنين السوريين بأية نسبة من رأس المال، وهذا ما استقطب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية إلى سورية، والقانون رقم (20) لعام 1991 الخاص بتعديل نسب وشرائح الضريبة على المداخيل والأرباح الصناعية.
لكن هذا لا يعني أن الاقتصاد السوري استقر عند هذه الحالة ولاسيما أنه واجه في مرحلة التسعينيات مجموعة من التحديات الكبيرة خاصة في المجال النفطي والصناعي والنمو السكاني، لذلك قامت الحكومة باعتماد جملة من الإجراءات أولها ربط الاستيراد بالتصدير وتشجيع الصادرات السورية والسماح للمصدر الاحتفاظ بنسبة 75% من قيمة صادراته بالعملات الصعبة من اجل إعادة الاستيراد... وتخفيض الرسوم الجمركية على الكثير من السلع الغذائية والصناعية مقارنة مع المرحلة السابقة... وإصدار قانون المهاجرين لعام 1990 الذي سمح للسوريين المهاجرين بإدخال سيارات وأثاث منزلي وآلات وتجهيزات صناعية بهدف الاستثمار في المجال الصناعي أو الزراعي... وإصدار قانون الاستثمار لعام 1991 والذي يسمح للقطاع الخاص الوطني والعربي والأجنبي بإقامة استثمارات صناعية، فلاحية وخدمية وسياحية وتقديم إعفاءات ومزايا عديدة لتشجيع القطاع الخاص وإعطائه دورا مهما في تنمية الاقتصاد السوري بعد أن كان القطاع العام يسيطر على أكثر من 80% من الإنتاج والتسويق في البلاد... وتسهيلات مصرفية والسماح للمواطنين السوريين بفتح حسابات مصرفية بالعملات الأجنبية من دون قيد أو شرط، وإلغاء القانون المانع لتداول العملات الأجنبية داخل البلاد.
من أهم مقومات الاقتصاد السوري آنذاك الزراعة كونه يعتبر من الاقتصادات النامية، حيث بلغت مساحة مجمل الأراضي الصالحة للزراعة 32% عمل مليون عامل في سوقها وفق الإحصاءات الرسمية لعام 2007 فقط دون الصناعات المعتمدة على الزراعة ومن اهم محاصيلها القمح والشعير والقطن الذي وصل إلى المرتبة العاشرة. والزيتون إلى المرتبة السادسة عالمياً في إنتاجهما إلى جانب الخضار والفواكه والأزهار، وهذا ما ساهم بشكل ملحوظ من زيادة 26% من مجموع الدخل القومي.
استطاع اقتصاد السوق الحر تحويل سورية في السنوات العشر ما قبل الأزمة إلى نظام يسمح للفرد بالقيام بأي نشاط اقتصادي يريده، وافتتاح أي مشروع بالإضافة إلى حرية التعاقد بين الأفراد والمؤسسات دون تدخل الحكومة أو أجهزتها بمعنى أن تترك الحكومة السوق يضبط نفسه بنفسه دون أي تدخل في الأنشطة الاقتصادية.....الخ وهذا يعتبر تهميشا للقطاع العام وإلا لما دخلت السلع التركية والخليجية والصينية على حساب السورية، ما سبب تقلباً اقتصاديا وزيادة في البطالة. ففي سياق التطور الاقتصادي والانفتاح في تلك المرحلة حققت المؤسسات المالية والاقتصادية ارتفاعا ملموسا منها ارتفاع عدد البنوك والمؤسسات المالية إلى اكثر من 20 بنك وإنشاء بورصة دمشق (سوق دمشق للأوراق المالية)، إضافة إلى الخدمات السياحية والصناعية والثروات الباطنية حيث بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011 حوالي 64 مليار دولار أمريكي وفق احصاءات الشبكة الاقتصادية و عدد من المحللين الاقتصاديين، وأصبح الأمن الغذائي في سورية محققاً وفق المعطيات التي ذكرت، والتي ظهر بشكل واضح لا يقبل أي تشكيك بأن الحكومة السورية كانت تسير باتجاه تعظيم نموها الاقتصادي والثقافي وحتى السياسي والاجتماعي خصوصاً منها الاقتصادية قبل اندلاع الأزمة. فقد أثبتت إحصاءات البنك الدولي أن الاقتصاد السوري مرّ بمرحلة مستقرة من النمو وصلت إلى 5.5 % بين العامين 2006-2010 وهو أعلى نسبة نمو مسجلة في الشرق الأوسط وهذا ما ساهم باستقرار قيمة الليرة السورية. وأظهر تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) المتخصصة بالأخبار الاقتصادية وفقاً لأرقام التقرير ان سورية المصنفة حينها بين الدول الأكثر أماناً، كانت تخطو بثقة نحو تحقيق تنمية شاملة في مختلف قطاعاتها خصوصاً منها الاقتصادية قبل اندلاع الأزمة.
قبل اندلاع الأزمة بعام كانت قيمة الصادرات تبلغ حوالي 10.5 مليارات دولار فيما بلغت الواردات 15 مليار دولار حوالي 16% ...وعمومًا فإن الواردات السورية تنتمي إلى القطاع التقني والمعدات والآليات الصناعية الثقيلة إلى جانب بعض المواد الخام. الكل يعلم بأن قطاع الأدوية السورية كان يغطي 90% من الحاجة المحلية ويصدّر منها إلى 54 دولة حول العالم. أما قطاع التربيةفعمل على تخفيض نسبة الأمية لتقتصر على 5% فقط قبل أن تهدم الأعمال الإرهابية أكثر من 7000 مدرسة تقريباً. الحالة الإيجابية التي وصل إليها الاقتصاد السوري جعلت أصحاب المشروع الامريكي الصهيوني يشعر بالقلق لذا خططوا لشن عدوان على سورية يعرف بحرب الجيل الرابع تحت غطاء يعرف بـ (الاسلام السياسي).
الاقتصاد السوري قبل 15/3 ليس كما بعده حيث أحدث هذا التاريخ تحولاً كبيراً في الحياة السورية على مختلف الصعد إذ راح الاقتصاد السوري يتراجع شيئاً فشيئاً وبدأ بالانكماش الهادئ لكنه سرعان ما أخذ يخطو بخطوات متسارعة أكثر ومعدلات أكبر منذ مطلع عام 2013 حتى بلغ أشده في الوقت الراهن كما جاء في تقرير البنك الدولي. وبناء عليه أصبحت مؤشرات الركود تسيطر على الاقتصاد بالتزامن مع ارتفاع كبير في المستوى العام للأسعار. مما انعكس بصورة سلبية على البنية الاجتماعية والاقتصادية ومستوى المعيشة، خاصة الفقراء وأصحاب الدخل المحدود. العقوبات الدولية التي فرضت على سورية كان لها وقعها الكبير على جميع قطاعات الاقتصاد السوري عامة والقطاع المالي والمصرفي وقطاع الطاقة خاصة وهذا ما أدخل الاقتصاد السوري مرحلة أكثر تعقيداً من جهة، ومن جهة ثانية خروج قسم كبير من المنشآت الاقتصادية والخدمية خارج نطاق الخدمة نتيجة الحرب الضروس على سورية. إضافة إلى أن الغموض وعدم الوضوح في أداء الحكومات المتعاقبة انعكس سلباً على واقع العمل في المؤسسات الاقتصادية حتى وجدنا أنفسنا في مواجهة استحقاقات نوعية قاسية، والرؤية الاستراتيجية مغيبة تماماً في ظل الحرب على سورية.
إذا أردنا أن نتحدث عن خسائر القطاع الاقتصادي في ظل الحرب على سورية من الصعب تقديرها بالأرقام لكننا نستطيع تبني ذلك بالرجوع إلى تقديرات من مصادر حكومية وغير حكومية كالمنظمات الدولية (البنك الدولي ودراسة الأونروا التي أجراها المصرف المركزي السوري لبحوث السياسات) حول ما واجهه القطاع من خسائر أبرزها:
أولاً-القطاع النفطي: توصل عدد من الدراسات إلى أن الناتج المحلي للنفط الذي كان يشكل 7% منه فقط انخفض بشكل ملحوظ من 385 ألفاً إلى 9688 برميل أواخر 2015. الدراسة تقول إن العائدات انخفضت من 4.7 مليارات دولار في 2011 إلى 0.14 مليار دولار في 2015. وبحسب وزارة النفط فإن خسائر قطاع النفط تجاوزت 50 مليار دولار. ثانياً- القطاع الصناعي:بلغت خسائره أكثر من 61 مليار ليرة نتيجة تضرر المصانع أو توقف الإنتاج ولا توجد تقديرات حول القطاع الصناعي الخاص. في حين صدر تقرير عن وزارة الصناعة السورية حول الأضرار العامة والجهات التابعة لها نتيجة الحرب لغاية 31/3/2017 بلغت القيمة الاجمالية للأضرار المباشرة 494788629 ألف ليرة لقطاعات (الاسمنت – السكر – التبغ-الهندسية-الغذائية-الكيميائية-النسيجية- الأقطان-جهات تابعة للوزارة-مديريات صناعة). والقيمة الاجمالية للأضرار غير المباشرة 387793253 ألف ليرة وبالتالي القيمة الاجمالية للأضرار المباشرة وغير المباشر (882581882ألف ليرة). الأضرار والخسائر التي تعرضت لها المنشآت الصناعية الخاصة نتيجة الظروف الراهنة إجمالي المنشآت المتضررة وفق ردود غرفة صناعة / حلب-حمص-حماة-دمشق وريفها/ بلغت 1584 منشأة والقيمة التقديرية الإجمالية بلغت /1035232700000/ ل.س فقط ألف وخمسة وثلاثين مليار ومئتين واثنين وثلاثين مليون وسبعمائة ألف ليرة سورية فقط. أثرت الأزمة الراهنة على المدن الصناعية تأثيراً بالغاً من حيث التخريب والتعديات التي طالت البنية التحتية والكثير من المنشآت والتجهيزات الخاصة والعامة والمعدات الهندسية والسيارات والعاملين، وهو ما أدى إلى توقف معظم المنشآت عن البناء والإنتاج وتراجع حجم الاستثمارات وعدد العاملين ولا سيما في مدينتي الشيخ نجار ودير الزور الصناعيتين، ويتم العمل على إصلاح وصيانة ما تم تخريبه في ضوء الإمكانات المتوفرة ولا سيما في المدينة الصناعية بالشيخ نجار حيث تجاوزت قيمة أعمال الصيانة والإصلاح المنفذة من قبل المدينة منذ تحريرها /228.5/ مليون ل.س لنهاية عام 2016. بلغ إجمالي حجم الأضرار المباشرة للمدن الصناعية /22511/ مليون ل.س وغير المباشرة /4560/ مليون. كما توقفت أعمال التنفيذ والاستثمار في عدد من المناطق الصناعية والحرفية الواقعة في أماكن ساخنة بسبب الأزمة الراهنة، وتعرضت بعض المناطق لأضرار في البنى التحتية والمنشآت الصناعية والحرفية. الأزمة الحقيقية التي ستواجه الصناعة مستقبلاً هي أزمة تمويل القطاعات الانتاجية، ومن أولويات التمويل هي (الخدمية – الصحية-الانتاجية) التي تمس حياة المواطن. أما أهم وظيفة للقطاع الصناعي فهي تلبية الحاجات الأساسية للكتلة الرئيسية من الناس (ذوي الدخل المحدود). ثالثاً- قطاع الكهرباء: أما الحدث الأهم والأبرز فهو خسائر قطاع الكهرباء لأنه يلامس كل مواطن والتقديرات التقريبية للخسائر بلغت 400 مليار ليرة سورية. رابعاً- قطاع التنمية البشرية:
ولا ننسى تراجع مستوى التنمية البشرية في سورية إذ بلغ دليل التنمية البشرية 0.472 مع نهاية 2013 مقارنة بـ 0.646 في العام 2010. لتنتقل سورية من مجموعة الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة قبل الأزمة إلى مجموعة الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة.
إذاً الأزمة السورية تسببت بانكشاف الاقتصاد السوري واعتماده على الواردات والتمويل الخارجي والمساعدات نتيجة الخسائر التي ذكرت آنفاً.
نعود ونذكر بأن تقدير خسائر القطاع الاقتصادي وغير الاقتصادي من الصعب تحديده نتيجة خروج عدد من المناطق والمؤسسات عن السيطرة.
نتيجة الانعكاسات السلبية للحرب على سورية اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات كخفض النفقات وإلغاء الدعم تدريجياً خاصة على المواد التي كانت تكلفها مبالغ طائلة كـ (الوقود والكهرباء والخبز) وغيرها إلا أنها غير كافية لعودة عجلة الاقتصاد إلى النمو ومن الصعب تحديد من هو المسؤول عن ذلك في واقع تسوده الفوضى نتيجة الحرب.
مقترحات عامة:
خاتمة: يمكن القول بالمجمل أن هذه التوجهات العامة والرؤية الأولية حول الاقتصاد الوطني السوري يمكن التوسع والاستزادة في كل موضوع من الاتجاهات العامة التي تطرقت إليها، ونهاية الحديث إن التبحر في الأرقام سيبهر الأذهان ولكن الأهم لكل مواطن سوري أن تنتهي هذه الحرب لكي يستقر نفسياً واجتماعياً واقتصادياً. ويبقى الجيش السوري هو الرقم الصعب في كل المعادلات.
المصادر:
|
||||||||
|