عن حازم صاغيّة وأوليفييه روا وسلفيّة «داعش».. بقلم صهيب عنجرينيان لا بدّ من تفكيرٍ قليلٍ قبل كتابة هذه السطور تحسّباً لقيام هواة التّصنيف (وما أكثرَهُم) بإدراجها ضمن سياق الأخذ والرّد الذي نشط أخيراً بين حازم صاغيّة وإبراهيم الأمين، وهو أخذ وردٌّ نقول فيه على الطريقة السوريّة «الله يطفيها بنورو». لكنّ أهميّة الموضوع وخطورته حسما الأمر توخيّاً لتوضيح ما نأمل أنّها أغلاط، ونخشى كونها مغالطاتفي الرابع والعشرين من الشهر الجاري، نشرت صحيفة «الحياة» السعوديّة في قسم «ثقافة ومجتمعات» مقالاً بعنوان«الجهاديّون الإرهابيّون في أوروبا: ما مصادرهم وأيّ أفق هناك؟» ممهوراً بتوقيع حازم صاغيّة.
يُقدّم المقال ما يُفترضُ أنّها قراءةٌ في كتاب «الجهاد والموت» للمفكر الفرنسي أوليفييه روا، وهو كتاب يقارب بطريقة مختلفة موضوعة جهاديي الغرب: دوافعهم، ثقافتهم، ومنطلقاتهم...إلخ. أوّل ما يسترعي الانتباه في المقال المذكور تطابق جزء كبير من فقراته مع نظيرات لها وردت في سياق عرض مطوّل للكتاب خطّه كاتبه (روا) ونشرته صحيفة «الغارديان» البريطانيّة في نيسان الماضي في إطار مشروع«the long read». جاء عرض «الغارديان» موسوماً بعنوان«Who are the new jihadis؟».
ونقرأ في موضع آخر من النص الأصل «لقد غلب على الجهاديّين حتّى أواسط التسعينات، كونهم شرق أوسطيّين يتوجّهون إلى أفغانستان ويعودون، منذ سقوط الشيوعيّة الأفغانيّة في 1992، إلى بلدانهم أو إلى بلدان أخرى، للمضيّ في الجهاد. هؤلاء هم الذين شنّوا الموجة الأولى من الضربات «المعولمة» (عمليّة المركز التجاريّ العالميّ في 1993 والسفارات الأميركيّة شرق أفريقيا في 1998 ومدمّرة كول في 2000)، وشكّلوا جيل الجهاديّين الأوَل. تم توجيه هذا الجيل الأول من الجهاديين من قبل بن لادن ورمزي يوسف وخالد الشيخ محمد». فيما تنتهي الفقرة عند صاغية مع جملة «وشكلوا جيل الجهاديين الأول»، ليغيب ذكر بن لادن وأقرانه. كذلك تتحوّل جملة «ولم تفكر جمهورية إيران الإسلامية بعد ثورتها أبداً في تفجير بيرسبوليس» لدى روا، إلى «أو في خمينيّي إيران ممّن لم يفجّروا بيرسيبوليس» لدى صاغيّة. لكنّ كل ما تقدّم لا ينفي وجود فقرات «مؤلّفة» في مقال «الحياة»، تستلهم نهج الباحث الفرنسي لتضيء على ظواهر «عالمثالثيّة»، وتطيح باليسار حيناً وباليمين حيناً وبظاهرة «من ثمار التركيب اليساري – الإسلامي» وهي وفقاً لصاغيّة «حزب الله». ثمّة مشكلة جوهريّة في هذا «الاستلهام» قوامُها أن الباحث الفرنسي إنّما أفرد كتابه لتناول ظاهرة «الجهاديين الغربيين»، مستنداً إلى حالات ونماذج من أولئك «الجهاديين» تناولَها بحثاً وتمحيصاً، ليخلص إلى استنتاجات (تحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب) من مثل أنّ «أولئك ليسوا سلفيين»، وأنّهم يمثّلون ظاهرة «شبابيّة» أكثر منها «جهاديّة». لكنّ هذا لا يعني في حال من الأحوال أنّ «داعش» ليس سلفيّاً كما يوحي مقال «الحياة»! ولا أنّ «ظاهرة الجهاديّ الإرهابيّ» بعمومها هي ظاهرة «حديثة أكثر بكثير ممّا هي ظاهرة تديّن. وفي خلاصة اشتغاله على سِيَر العشرات، يستنتج (روا) أنّها حركة شبابيّة أساساً، تتّصل بثقافة الشبيبة». وليس من الواضح أيضاً إلامَ استند كاتب المقال ليخلص إلى نتيجة مفادُها أنّ «التقاطع الكبير حتّى التماثل، بين الجهاديّ والإرهابيّ، إنّما حصل لاحقاً مع الحرب السوريّة»، ناسفاً ببساطة غريبة اعتداءات الإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة في ثمانينيات سوريا، وعشريّة الجزائر السّوداء، (1991 – 2002)، وحقبة أشدّ سواداً عاشها العراق في ظل الاحتلال الأميركي دفع أبناؤه ثمنها دماء كثيرة سالت في تفجيرات إرهابيّة طاولت كلّ شيء. أضف إلى ذلك أن «الخطاب القيامي» لم يغب عن تنظيم «القاعدة» كما يقول صاغيّة مستشهداً بحديث «دابق» وحضوره لدى «داعش». وربّما فات الكاتب أنّ أبرز ذكرٍ «قاعدي» لـ«دابق» كان قد ورد عام 2004 على لسان أبو مصعب الزرقاوي «وها هي الشرارة قد انقدحت في العراق، وسيتعاظم أوارها بإذن الله حتى تحرق جيوش الصليب في دابق». والزرقاوي كما هو معروف، مؤسس فرع «تنظيم القاعدة» في العراق، والذي كان نواةً لتنظيم «الدولة الإسلامية». |
||||||||
|