الانتخابات التركية: نحو أهون الشرّين.. بقلم بسام أبو عبد الله
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء 18 نيسان 2018 بعد اجتماع مع زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي الدعوة للانتخابات العامة الرئاسية، والبرلمانية المبكرة بتاريخ 24 حزيران 2018، أي بعد 59 يوماً بالتمام والكمال، وقبل 18 شهراً من موعدها المحدد في 3 تشرين الثاني 2019، وصوت البرلمان التركي على مشروع قانون الدعوة للانتخابات المبكرة يوم الجمعة 20 نيسان 2018 بأغلبية 386 صوتاً من حزب العدالة والتنمية، وبعض أحزاب المعارضة التي تؤيد ذلك ليصبح قانوناً، ولتبدأ الماكينة الانتخابية للأحزاب المتنافسة بالعمل فوراً.
كان الأتراك قد أقروا في نيسان 2017 بفارق ضئيل تعديلات دستورية تتضمن انتقال تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي التنفيذي، والذي سيمنح الرئيس المزيد من الصلاحيات منها تعيين نواب الرئيس، تسمية الوزراء، وكبار المسؤولين، وكذلك القضاة، كما يمنح الرئيس سلطة حل البرلمان، وتم إلغاء موقع رئيس الوزراء، كما أصبح الرئيس زعيماً لحزبه السياسي بعد أن كان من المطلوب منه ألا يكون حزبياً، وإضافة إلى ذلك سيزداد أعضاء البرلمان التركي من 550 نائباً حالياً إلى 600 نائب، وتصبح الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية تعقد كل خمس سنوات وليس أربع سنوات كما كان الأمر سابقاً. تعتبر الانتخابات المقررة في حزيران أحد أهم الانتخابات في تاريخ تركيا، حيث ستنتقل البلاد فعلياً من النظام البرلماني إلى الرئاسي التنفيذي، وهو ما سيقوي سلطة أردوغان، ويجعله يقوم بتغييرات متوقعة واسعة، ويعزو العديد من المحللين الأتراك، والمختصين بالشأن التركي تقديم موعد الانتخابات وبهذه السرعة لعدة عوامل حسب الباحث في معهد دراسات الشرق الأدنى في واشنطن، ومؤلف كتاب «السلطان الجديد» سونير تشاباتاي وهي:
1- العامل الاقتصادي: إذ ظهرت المؤشرات الاقتصادية في العام الماضي جيدة، لكن مؤشرات مبكرة لهذا العام توحي بوجود تباطؤ وتراجع اقتصاديين، إضافة إلى الخشية من الضغوط الأميركية والغربية التي ستؤدي لتدهور اقتصادي أكبر حتى تشرين الثاني من عام 2019 الأمر الذي قد يؤدي لتراجع الشعبية.
3- المعارضة التركية المنقسمة: فحزب الشعب الجمهوري لا يمتلك القدرة، ولا الشعبية بزعيمه الحالي والباهت كمال كيليتشدار أوغلو، والقوميون منقسمون ما بين زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي الداعم القوي لأردوغان، وزعيمة «الحزب الجيد» أو كما يسمى بالتركية «إيي بارتي» ميرال آكشنير التي انشقت عن حزب بهتشلي، وشكلت حزباً وحدها، وخاصة أنها قد تشكل خطراً على تحالف أردوغان بهتشلي، على اعتبار أن هدفها القواعد الانتخابية نفسها تماماً، ولذلك فإن تقريب موعد الانتخابات لن يمنحها فرصة لتزداد قوة وشعبية، وأما حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، فهو في أضعف أوقاته مع تصاعد الشعور القومي التركي بعد عملية عفرين ضد فرع حزب العمال الكردستاني في سورية أي «حزب الاتحاد الديمقراطي»، وجناحه العسكري «وحدات حماية الشعب والمرأة» الكردية المدعومة أميركياً. الصحف المؤيدة لأردوغان تتحدث عن أن هذه الانتخابات هي الأكثر حساسية وأهمية، وتتحدث عن مؤامرات تحاك ضد تركيا من الداخل تحت اسم «المعارضة البريئة» كما أشار رئيس تحرير الـ«يني شفق» إبراهيم قره غول، غامزاً من قناة أصدقاء وحلفاء أردوغان السابقين ومنهم رئيس الجمهورية السابق عبد الله غُل، ورئيس الحكومة السابق أحمد داوود أوغلو اللذان التقيا في أنقرة يوم الإثنين 23 نيسان 2018 حسب موقع «خبر تورك» لمدة ساعة للتنسيق من أجل الانتخابات، إضافة إلى اجتماع آخر عقده زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو مع زعيمة «الحزب الجيد- إيي بارتي» ميرال آكشنير في منزل ابنة أحد زعماء المحفل الماسوني التركي الذي أدخل كيليتشدار أوغلو في المحفل حسب أوساط تركية متابعة، كما عُقد اجتماع بين زعيم حزب السعادة الإسلامي تميل كارامولا أوغلو وزعيم حزب الشعب الجمهوري، وزعيمة «الحزب الجيد» للتنسيق قبل اللقاء مع عبد الله غُل في استانبول الذي عقد في 25 نيسان 2018. ما يمكن استخلاصه من هذا النشاط الانتخابي المكثف، مجموعة نقاط لابد من فهمها بعمق، ودقة، بغض النظر عن موقفنا من أردوغان وهي: 1- هناك نشاط غربي محموم لدعم ترشيح مرشح المعارضة الذي قد يكون عبد الله غُل، أو أي أحد آخر في وجه أردوغان، نظراً لاعتقاد أوساط غربية عديدة أن أردوغان سيقوى أكثر إذا فاز بهذه الانتخابات، ما سيجعله أكثر حرية في المزيد من التقارب مع روسيا وإيران.
ما يجب أن ندركه أن في الانتخابات التركية القادمة لن تحدث مفاجآت كبيرة كما تفيد استطلاعات الرأي العام الأولية إذ سيحصل أردوغان على 40,48 بالمئة، وعبد الله غُل 17,8 بالمئة، وكمال كيليتشدار أوغلو 7,6 بالمئة، وآكشنير 5,6 بالمئة، وصلاح الدين ديميرطاش 3,2 بالمئة… ولهذا فالعمل من الحلفاء يتم على أهون الشرّين ليس إلا، وهو ما يجب أن نفهمه، وندركه في رؤيتنا لانتخابات تركيا القادمة التي هي جزء من الصراع الكبير في المنطقة والعالم، بين محورين أصبحا واضحي التوجه والأهداف، وسورية ركن أساس في محور روسيا إيران الصين وقوى المقاومة والاستقلال الوطني، والصراع الآن على أهون الشرين في تركيا. هذا هو الواقع في الداخل التركي، وبعيداً عن أي رأي أو تحيز، علينا أن ننتظر ما ستفرزه هذه الانتخابات المبكرة في تركيا وكيف ينعكس على سورية، وعلى مستقبل السياسية الخارجية التركية. |
||||||||
|