لازالت معركتنا مع الإرهاب مستمرة.. بقلم الدكتور محمد سيد أحمد


لازالت معركتنا مع الإرهاب مستمرة.. بقلم الدكتور محمد سيد أحمد

على مدار التسعة عقود الماضية وتحديد منذ العام  1928 وهو العام الذى تأسست فيه جماعة الاخوان الإرهابية, وقضية الإرهاب أحد أهم القضايا المركزية التى تشغل بال المجتمع المصرى, وتشكل صداع دائم فى رأس الحكومات المتعاقبة, فالتنظيم الإرهابي الذى صنعته الامبريالية العالمية ليكون شوكة فى حلق مجتمعاتنا لازال يمارس عملياته الإرهابية داخل مجتمعاتنا العربية, فى محاولة لإشعال نيران الفتنة حتى نتهم بعدم قدرتنا على تحقيق الأمن والاستقرار, ودائما ما تطرح الجماعة الإرهابية نقسها كبديل قادر على إطفاء النيران وتحقيق الأمن والاستقرار بل والنهضة للمجتمع, وللإرهاب داخل مجتمعنا حكاية قديمة تبدأ فى الوقت الذى كانت فيه بريطانيا هى القوى الامبريالية الأكبر فى العالم وتسيطر وتهيمن على منطقتنا, فقامت بدراسة تاريخنا بعمق ودقة وتوصلت الى أنه لابد من خلق تنظيم وزراعته داخل جسد الأمة يرفع شعار الوصاية على الإسلام, ويمكن استخدامه لاحقا فى الصراع على السلطة وممارسة العنف والإرهاب.

وبالفعل وجدت المخابرات البريطانية ضالتها المفقودة فى الفتى حسن البنا مدرس اللغة العربية والتربية الدينية للمرحلة الابتدائية فى احدى مدارس مدينة الاسماعيلية وساعدته فى بناء أول مسجد للجماعة بالمدينة عبر خمسمائة جنيه قدمت له كتبرع من مدير شركة قناة السويس, وانطلقت دعوته تحت سمع وبصر ودعم الإدارة البريطانية الحاكمة لمصر فى نهاية العشرينيات من القرن العشرين وبالفعل نجحت بريطانيا فى ما هدفت إليه حيث نمت الجماعة بشكل كبير حيث انتقلت الجماعة من الاسماعيلية الى القاهرة وتغلغلت داخل أحيائها الشعبية حتى اكتسبت أرضية حقيقية على كامل الجغرافيا المصرية, حيث كانت البيئة الحاضنة جاهزة فقر وجهل ومرض, وتدين شعبي شكلى دون وعى دينى حقيقي, وهو ما جعل التنظيم ينجح فى جذب أعضائه ومؤيديه عبر خطابه الدينى المدغدغ للمشاعر من ناحية والخدمات التى يقدمها للفقراء والكادحين من ناحية أخرى.

وعندما جاءت اللحظة المناسبة وكانت الحركة الوطنية فى الأربعينيات تطالب بجلاء المحتل البريطانى كانت الجماعة قد بدأت فى لعب الدور السياسي والصراع على السلطة وهو الدور الذى خلقت من أجله تحت عين وبصر المخابرات البريطانية, وكانت فى ذات الوقت قد تمكنت من تكوين ميلشيا مسلحة من بين أعضائها لاستخدامها فى العنف والإرهاب والتصفيات الجسدية لخصومها السياسيين, وكان من أبرز ضحايا الجماعة اغتيال أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء فى 24 فبراير 1945, ثم المستشار أحمد الخازيندار الذى كان ينظر قضية تفجير الجماعة لسينما مترو فى 22 مارس 1948, ثم محمود فهمي النقراشي رئيس وزراء مصر فى 28 ديسمبر 1948, وهو ما جعل الملك فاروق يشعر بالحرج وعدم قدرته على السيطرة على الإرهاب فطالب قوات أمنه الرد بقوة فقاموا بقتل حسن البنا نفسه فى 12 فبراير 1949.

ثم جاءت ثورة 23 يوليو 1952 وحاولت الجماعة أن تتصدر المشهد السياسي وتسرق السلطة من الثوار لكنها فشلت فقامت بمحاولة اغتيال قائد الثورة جمال عبد الناصر فى 26 اكتوبر 1954 فى المنشية بالاسكندرية, وكان رد الفعل الطبيعى هو حملة واسعة من الاعتقالات لقيادات الجماعة, وفى نفس الوقت مشروع تنموى حقيقي للقضاء على الفقر والجهل والمرض وبذلك تمكن جمال عبد الناصر ورفاقه من محاصرة مشروع الجماعة وخنقها بجعل البيئة الحاضنة مؤيدة للثورة ورافضة لكل من يحاول المساس بها.

وانقضت هذه المرحلة سريعا وجاء الرئيس السادات وكانت أول جرائمه فى حق مجتمعنا وأمتنا العربية هو المصالحة مع هذا التنظيم الإرهابى فى نفس الوقت الذى تخلى فيه عن المشروع التنموى الذى قضى على كثير من معالم البيئة الحاضنة المليئة بالفقر والجهل والمرض, فعادت البيئة الحاضنة أكثر من ذى قبل وأصبحت مستعدة لاستقبال الأفكار والمساعدات التى تقدمها لها الجماعة, وكانت الجماعة خلال مرحلة المحاصرة قد هاجر عدد كبير من أعضائها الى دول البترودولار وكونوا ثروات كبيرة أحضروها لاستثمارها فى بيئة الانفتاح الجديدة, وخلال سنوات السبعينيات فرضت الجماعة هيمنتها على كامل الجغرافيا المصرية وفرخت العديد من الجماعات الإرهابية الصغيرة التى مارست العنف والإرهاب داخل المجتمع وكانت أبرز أعمالها هى قتل الرئيس السادات ذاته فى 6 أكتوبر 1981.

وجاء الرئيس مبارك وصار على نفس نهج السادات مع تعديل بسيط فى التكنيكات, فاستمرت الصفقات السياسية بينه وبين الجماعة, وفى تلك الأثناء تمكنت الجماعة من فرض نفوذها داخل المجتمع المصرى وكسب المزيد من المؤيدين والمتعاطفين عبر الخدمات التى تقدمها الجماعة للفقراء والكادحين فى الوقت الذى تخلت فيه دولة مبارك عن مسئوليتها تجاه مواطنيها, وعندما انطلقت شرارة الثورة فى 25 يناير 2011 كانت البيئة الحاضنة جاهزة لصعود الجماعة لأول مرة الى سدة الحكم, واكتشفنا فى لحظة واحدة كيف تمكن هؤلاء الإرهابيين من التغلغل وبناء النفوذ داخل بنية المجتمع المصرى, ثم كانت المواجهة الحاسمة بواسطة الشعب والجيش للإطاحة بالجماعة من سدة الحكم فى 30 يونيو 2013.

ومنذ تلك اللحظة قررت الجماعة الإرهابية العودة لممارسة العنف والإرهاب ضد الجيش والشعب فكانت الأحداث المتتالية والتى بدأت بالمواجهة الشاملة على أرض سيناء ثم محاولات الانتقال من وقت لآخر الى الداخل وتنفيذ بعض العمليات الإرهابية المجرمة خاصة ضد الإخوة المسيحيين فى محاولة لتمزيق النسيج الوطنى المتماسك فى مواجهة إرهابهم, فكانت عملية دير الأنبا صموئيل المعترف الكائن بجبل القلمون دائرة مركز العدوة بمحافظة المنيا والتى راح ضحيتها سبعة شهداء الى جانب ما يزيد على العشرين من المصابين, فى نفس التوقيت الذى تعقد فيه مصر منتدى شباب العالم, لتتحول الأنظار عن المنتدى وتكون الرسالة أننا غير قادرين على حفظ الأمن وتحقيق الأمان داخل مجتمعنا.

   لذلك لابد من التأكيد على أن معركتنا مع الإرهاب لازالت مستمرة, وأن المواجهة لابد وأن تكون شاملة أولا بالمواجهة الأمنية الصارمة, ثم بمشروع تنموى حقيقي للنهوض بأوضاع البشر فى البيئة الحاضنة التى تعج بالفقر والجهل والمرض, ثم مواجهة فكرية شاملة عبر خطاب دينى واعى يفرض نفسه على كامل الجغرافيا المصرية, فالوعى الشعبي هو الفيصل فى هذه المعركة خاصة وأن المشروع الإرهابي الطامع فى السلطة يلتقى فى مصالحه مع المشروع الامبريالي الغربي الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الصهيونية لتقسيم وتفتيت مجتمعاتنا العربية, لذلك تأتى حتمية الوحدة العربية لمواجهة الإرهاب والمشروع التقسيمى والتفتيتى معا, اللهم بلغت اللهم فاشهد.               

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=488