بين الطوارئ والتعبئة العامة فرق شاسع ...الحكومة اصابت.. بقلم العميد الدكتور أمين حطيط


بين الطوارئ والتعبئة العامة فرق شاسع ...الحكومة اصابت.. بقلم العميد الدكتور أمين حطيط

اذا أراد المرء ان يكون موضوعيا في نظرته لتصرف الحكومة اللبنانية تجاه فيروس كورونا الذي يحتاج العالم فانه يجد ان الحكومة لم تقتصر و لم تتأخر في اتخاذ تدبير مناسب في ظرفه لمواجهة هذا الخطر و حماية اللبنانيين منه ، لا بل بالعكس قد يجد البعض ان الحكومة اتخذت تدابير استباقية قبل تشكل الضرورة الاكيدة لاعتمادها خاصة اذا قسنا ذلك على ما اتخذ في اروبا في نفس المرحلة و لمواجهة ذات الخطر ، و مع هذا نجد ان معارضي الحكومة يمعنون في انتقادها و رفضهم لكل ما قامت به و يصرون على سلوك التلفيق و البهتان ضدها لا لشي الا لتهشيمها و اسقاطها و العودة الى محاولة السعي الأولى للفراغ السياسي المنتج للفوضى .

وفي هذا السياق يصر بعض هؤلاء على وجوب اعلان حالة الطوارئ في لبنان لمواجهة وباء "كورونا" ولا يرون في غير الطوارئ حلا للموضوع فهل يدرك هؤلاء ماذا تعني حالة الطوارئ وهل ان لبنان بحاجة فعلا لمثل هذا التدبير وهل ان المطالبين بحالة الطوارئ مستعدون فعلا لتقبل التدابير التي يمكن للدولة ان تتخذها في ظل حالة الطوارئ؟

بحسب المادتين 1و3 من قانون الدفاع الوطني المعتمد بالمرسوم الاشتراعي 1021983 تعلن حالة الطوارئ إذا تعرضت البلاد للأخطار الناجمة عن أي اعتداء على ارض الوطن وأي عدوان ضده ولضمان سيادة الدولة وسلامة المواطنين في مواجهة تلك الاخطار. اما في المواد 2و 4 من نفس القانون فيضيف المشترع مصطلحات اخرى الى جانب مصطلح "حالة الطوارئ" هما "التعبئة العامة " او الجزئية و"تكليف الجيش حفظ الامن " و "اعلان المنطقة لعسكرية “وهنا نسأل هل كان يدرك أولئك المطالبين " بإعلان حالة الطوارئ، لا بل وأعلنوها هم من خلال وسائلهم الإعلامية اعلانا وقحا مخالفا لكل قانون، هل كان يدرك هؤلاء ماذا يعني طلبهم وهل ان الظروف تستجوبه؟

نعود الى النص حيث انه وبحسب القانون تعلن حالة الطوارئ العامة المنصوص عليها قانونا (كما ورد في قانون الدفاع الوطني و المرسوم الاشتراعي 52 تاريخ 581967 ) لتكون تدبيرا دفاعيا ذو طبيعة عسكرية يهدف الى مقاومة أي اعتداء ( لاحظ ان المشترع استعمل أيضا عبارة مقاومة أي اعتداء في المادة1 من م.ا.1021983 ) ما يعني ان حالة الطوارئ ترمي الى انشاء بيئة دفاعية عامة مرتكزها  الطابع  العسكري للدفاع ضد عدوان على ارض الوطن او سكانه  و مرتكزها قيادة الجيش التي تقود الوضع ،  بيئة تمكن الدولة من حشد طاقاتها لمقاومته أي جميع طاقاتها ذات الطبيعة العسكرية اولا ثم ذات الطبيعة المساندة او المعززة للأولى ثانيا ثم وضع اليد على ما يمكن ان يحد من فعالية عملية الحشد و تعطيله ، و من اجل ذلك توضع كل القوى العسكرية بتصرف قيادة الجيش و يتاح للدولة و خلافا لأي نص قانوني ان تتخذ من التدابير ما يخدم العملية الدفاعية دون التوقف عند حق لهذا او مطلب لذاك ( يمكنها مصادرة الأملاك ،منع التجول ، مراقبة الاعلام ، الخ.....)

من يقف على ما تعنيه حالة الطوارئ و أسبابها الموجبة يدرك فورا انها في مكان و الحالة اللبنانية الراهنة في مكان اخر ولا تماس بينهما ، وان الدولة لو كانت بصدد ممارسة الكيدية لكانت استغلت الظرف و استجابت لمطالبة معارضيها و سارعت الى اعلان حالة طوارئ (غير لازمة ) و استغلتها لكم الافواه و مصادرة الممتلكات و الاتكاء على قضاء استثنائي تشرف عليه من اجل الانتقام من خصومها كما تفعل الأنظمة البوليسية القمعية في العالم و كان هؤلاء المعارضون اول ضحايا حالة الطوارئ التي ينادون بها  فهل يعلم المطالبون بحالة الطوارئ و ينتقدون الى حد التجريح و تهديد الحكومة بالملاحقة القضائية لتقصيرها في اعلان حالة الطوارئ هل يعلمون هذه الحقيقة ؟ ام انهم يطالبون بحالة الطوارئ   لأنهم يخفون خلف طلباتهم نوايا خسيسة خبيثة ضد الدولة او ضد بعض الأطراف الاخرين الشركاء في الوطن، او انهم لا يعرفون وطرحوا طلباتهم بدافع الخفة والجهل وسعيا للإساءة للحكومة التي يعارضون والتي حجبوا الثقة عنها؟ نطرح التساؤل مع ظننا بوجود الفئتين معا ونتمنى ان نكون مخطئين هنا وان يكون الطلب فقط بسبب الجهل.

 اما من جهة المصطلحات أخرى  فاننا  نجد ان المشترع نص على "حالة التأهب الكلي والجزئي"  و "التعبئة العامة او الجزئية"  التي تعلن في حال "تعرض الوطن او مجموعة من السكان للخطر دون أي يحدد المشترع طبيعة و مصدر الخطر و اذا أعلنت فإنها تتيح للدولة فرض الرقابة على مصادر الطاقة و المواد الأولية للإنتاج و مراقبة النقل و الانتقال و الاتصالات و مصادرة الأشخاص و الأموال خدمة للمصلحة العامة المتمثلة في مواجهة الخطر الذي من اجله أعلنت .و هذا ما ينطبق بالضبط على  الحالة التي يمر بها لبنان في مواجهة فيروس كورونا الذي يتهدد السكان في لبنان حالة تستوجب ما ذكر و بالتالي يكون اختيار الحكومة لإعلان حالة التعبئة العامة في موقعه القانوني و العملي الملائم ، و تكون الحكومة باعتمادها هذا الخيار قد اكدت علمها بالقانون أولا وأكدت عمقا في فهمه و فهم الواقع و اتخذت التدبير المناسب لمواجهة خطر وبائي يهدد الصحة العامة و يبقى ان يستجيب الجميع لقرارات الحكومة وان يظهروا التعاون معها  ويتوقف الاخرون عن الدسائس و الاستغلال السياسي البعيد عن مصالح اللبنانيين و لبنان .

لقد اصابت الحكومة في قرارها وسلوكها وأخطأ معارضوها، في مواجهة وباء يجتاح العالم، واثبتت تدابير الحكومة حتى الان ان هذه الحكومة على قدر المسؤولية خلافا لما اعتاده اللبنانيون عليه مع معظم الحكومات السابقة.

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=653