اقتصاد الكورونا .. الدكتور عامر خربوطلي


اقتصاد الكورونا .. الدكتور عامر خربوطلي

بدايةً لا بد من الاقرار أن جميع المستجدات والأحداث على الصعيد العالمي هناك دوماً من يستفيد منها وآخر يتضرر بطريقة أو بأخرى وعندما بدأ تفشي (فيروس الكورونا ) لم يكن أشد المتشائمين يتوقع ما حدث وما يحدث على الصعيد العالمي من تراجع كبير للبورصات العالمية وتراجع أسعار النفط وانخفاض في الانتاج الصناعي والزراعي وتدهور خدمات النقل والشحن والمواصلات والانهيار الكامل لاقتصاديات السياحة والسفر بفعل الاجراءات الوقائية والاحترازية التي اتبعتها العديد من دول العالم وأغلبها من الدول المتقدمة التي تصنف عادةً ضمن معايير الجودة الصحية والخدمات الطيبة المرتفعة.

إذاً نحن أمام اقتصاد جديد يمكن أن نسميه (اقتصاد الكورونا) الجميع يبحث عن أدوات التعقيم ومواد الحجر الصحي واجراءات الوقاية المكلفة عادةً للدول النامية والتي تعاني أصلاً عجوزات مالية ليست بالقليلة

هل هناك من مستفيد ؟ لا شك أن دول العالم في تعاطيها لمواجهة هذا الفيروس لجأت لأساليب متنوعة ومختلفة ولكنها في النهاية مكلفة وأدت وستؤدي لتراجع حاد في معدلات النمو الاقتصادي وللنواتج المحلية لبلدان كانت متقدمة في مرحلة ما قبل (الكورونا)

يبدو أن الأمر يحمل في طياته صعود دول لم يمسها الكورونا بقسوة واخرى في طريقها للتراجع الاقتصادي على مستوى العالم وهذا التراجع نتيجة الأعباء المالية التي ستتحملها من جهة لمواجهة تداعيات المرض (الغامض ) ولفوات فرصة التنمية والتطوير والنمو الاقتصادي نتيجة تراجع أعمال الانتاج الصناعي والزراعي وخدمات التصدير والشحن والنقل والسياحة.

 يبدو أن مؤشر الانكشاف الاقتصادي الذي يعتمد على نسبة أعمال التجارة استيراداً وتصديراً إلى الناتج المحلي الاجمالي أصبح مؤشراً لانتشار هذا الفيروس الذي أصاب الدول الأكثر انكشافاً على صعيد تنقل الاشخاص والبضائع بعد انتقاله من مصدره الاساسي.

دوماً هناك مستفيد من المرض وتداعياته وآخر مستفيد من ايجاد اللقاحات و الأدوية.

لكي نفهم كيف من الممكن أن يتسبب الوباء في إحداث ركود عالمي , فلا نحتاج إلا إلى الاطلاع على الفصل الثالث من القسم الأول من كتاب عالم الاقتصاد الأشهر آدم سميث( ثروة الأمم): "إن تقسيم العمل مقيد بنطاق السوق". لقد بات من الواضح بالفعل أن الوباء من الممكن أن يتسبب في إحداث صدمة سلبية على جانب العرض إذا انخفض حجم العمالة المتاحة بسرعة بسبب مرض (أو وفاة) الأشخاص في سن العمل نتيجة للمرض. الأمر الأسوأ من ذلك أن انتشار الخوف الطليق من العدوى من الممكن أن يقود إلى تعليق سلاسل الإمداد الحرجة.

علاوة على ذلك، لا تقل سلاسل الإمداد المحلية عُـرضة للخطر. فمع انتشار فيروس كورونا، سينقطع عدد أكبر من الروابط بين المشترين والبائعين ــ الروابط الوسيطة والنهائية. الأمر الأكثر أهمية هو أن "نطاق الأسواق" سوف يتقلص، كما ستتقلص على نحو مضطرد مكاسب تقسيم العمل ــ التي تشكل واحدة من محركات "ثروة الأمم" الرئيسية ــ بسبب الحاجة إلى المزيد من الموارد لإنتاج محليا ما كان يستورد في السابق بثمن أقل من أماكن أخرى. ومن المؤكد أن العودة إلى إنتاج الكفاف أو الاكتفاء الذاتي، حتى ولو كان ذلك مؤقتا، سيكون مكلفاً على المستوى الاقتصادي.

في هذا السيناريو، سرعان ما تتضاعف شدة صدمة العرض السلبية الأولية (بما يتفق مع رأي سميث) بفِعل صدمات الطلب التي تحدث عنها (جون ماينارد كينز) صاحب النظرية الاقتصادية الكينزية في نهاية الثلاثينيات يبدأ تراجع الطلب الإجمالي مع أولئك الذين يعجزون عن العمل بسبب المرض أو الذين يمنعون من الوصول إلى العمل، لكن هذا التأثير يتضخم بفِعل زيادة ( الادخار الاحترازي) نتيجة لعدم اليقين، فضلا عن انخفاض النفقات الرأسمالية وتراجع الاستثمار والأسوأ من ذلك هو أن هذا المناخ الجديد من عدم اليقين قد يدوم لسنوات، اعتمادا على ما إذا كان فيروس كورونا سيتحول إلى مشكلة متكررة.

إننا أمام معركة اقتصادية من نوع جديد ستعيد الترتيب الاقتصادي لدول العالم وربّ ضارة نافعة فسورية الذي يعتبر مؤشر انكشافها الاقتصادي في حده الأدنى فإن انكشافها البشري المتداول في حده الأدنى أيضاً نتيجة ضعف الاحتكاك الخارجي بفعل الأزمة  وتداعياتها ومع ذلك فإن الاجراءات الاحترازية تبقى مطلوبة لتحصين بيتنا الداخلي للاستمرار في العمل والانتاج.

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=655