دراسة جديدة: قادة الجهاديين درسوا العلوم أكثر من الشريعة


قبل أيام، نيسان 2016، صدرت دراسة عن «مركز الدراسات الدينية والجغرافيا السياسية» (Center on Religion and Geopolitics)تحت عنوان «معالم التّشدد» تدرس حياة أهم 100 شخصية من الجهاديين الإسلاميين خلال السنوات الثلاثين الفائتة.

 

وقام الباحثون في هذه الدراسة المسحيّة بتحليل معطيات 100 جهادي من قيادات الصف الأول ممن انتموا إلى 49 جماعة جهادية ومن 41 دولة. ومن هذه الشخصيات نذكر أسامة بن لادن، أبو بكر البغدادي، أيمن الظواهري، أبو محمد الجولاني، عبد الله عزام، أنور العولقي، أبو مصعب الزرقاوي، سيف العدل وغيرهم.

 

في هذا المقال، نحاول عرض أبرز مخرجات الدراسة من إحصائيات ومعطيات، ونختم ببعض التوصيات التي تضمنها البحث.

 

في البداية تشير الدراسة إلى عدم وجود صورة نمطية أو «بروفايل» مثالي للجهادي. إذ ينتمي الجهاديون لبيئات اجتماعية واقتصادية مختلفة، كما لوحظ تنوع تنشئتهم الدينية وكذلك اختلاف تحصيلهم الدراسي والدرجة العلمية التي نالوها، وحتى المناطق التي ترعرعوا فيها؛ إذ إن 42% من الجهاديين وُلدوا في المدن، و22% منهم نشؤوا في الأرياف. كما تؤكد الدراسة أن ظاهرة «الإرهاب» صارت معولمة، إذ إن 76% من الجهاديين قاتلوا في دول لم يولدوا فيها، في حين أن 27% ممن يحاربون في دولهم كان قد سبق لهم القتال في دولة أخرى على الأقل.

 

أما عن فكر الأفراد الذين نتناولهم بالدرس، الفكر أو الأيديولوجية السلفية الجهادية، فنلاحظ أنها أصبحت متحركة أكثر، وانتقلت للوضعية الهجومية بعد أن كانت تتبنى الدفاع، كما أنها أصبحت أكثر شراسة وطائفية. من جهة أخرى، تبقى العلاقات الشخصية والاتصال المباشر أفضل وأنجع الطرق لتجنيد الجهاديين. وفي سياق متصل، لوحظ كثرة التنقل بين التنظيمات وتغيير الولاءات، إذ إن 51% من الجهاديين انتموا لأكثر من تنظيم جهادي طيلة مسيرتهم القتالية. ولعل خير تأكيد للظاهرة، هذه العينة التي تم تناولها بالدرس، إذ إننا بصدد الحديث عن 100 قيادي منتمين لـ49 تنظيمًا أو جماعة مختلفة.

 

ومن الجدير بالملاحظة، أن 25% من هؤلاء الجهاديين سبق لهم الاشتغال في وظائف حكومية أو كان أحد أفراد عائلاتهم يشتغلون بصلب الدولة. كما أن العديد منهم كانت لهم خبرة عسكرية قبل الانضمام لأحد التنظيمات الجهادية. وعلى سبيل المثال، من الجهاديين العشرة المنتمين لتنظيم «الدولة الإسلامية» داعش، كان لستة منهم خبرة عسكرية تحصلوا عليها أثناء عملهم بصلب الجيش العراقي ونظام البعث. وهو ما يؤكد التقارير التي تقول إن العديد من القيادات العسكرية التي تدير الجبهات القتالية لداعش كانت تعمل في صفوف الجيش العراقي قبل الغزو الأمريكي في 2003 وحلّ بول بريمر للمؤسستين العسكرية والأمنية.

 

في ما يتعلق بالمستوى الدراسي والتكوين الأكاديمي، تشير هذه الدراسة الصادرة عن «مركز الدراسات الدينية والجغرافيا السياسية» أن 46% من الجهاديين قد درسوا في الجامعة، وأن 57% من هؤلاء من المنتمين لشعب علمية أو ما يعرف بـSTEMM (علوم التكنولوجيا، علوم طبيعية، هندسة، رياضيات، طب). ولعل المعطى الأهم يتمثل في كون عدد الجهاديين ذوي المرجعية العلميّة أو الدارسين للاختصاصات العلميّة أكبر بضعفين من الذين درسوا علوم الشريعة أو أي مواد متعلّقة بالدين الإسلامي، في حين أن الجهاديين الذين درسوا العلوم الإنسانية والاجتماعية يمثلون 11% منهم.

 

كما تؤكد هذه الدراسة أن أغلب القضاة والشرعيين بل والمنظّرين للحركات الجهادية هم من أصحاب توجهات علمية وليست دينية. إذ إن 29% من المنظّرين الجهاديين لهم شهادات علمية، في حين أن 18% فقط منهم لهم شهادات في دراسات دينية. هذه الأرقام تؤكد النظرية القائلة بأن تكوين العقل الجهادي يسعى عادة إلى تبسيط القضايا بطرحها في شكل ثنائي البنية، فإما اللون أبيض أو أسود، وإما صحيح أو خاطئ، في اعتماد كلي على منطق أرسطي وتفكير ميكانيكي بعيدًا عن الجدل والحوار والبحث في الفروق البسيطة. الجدير بالذكر، أن استنتاجات شبيهة كانت نتيجة دراسة تناولت العلاقة بين الجهاديين وتكوينهم الأكاديمي، قام بها الباحثان ستيفن هيرتوغ ودييغو غامبيتا؛ وصدرت في 2016 في شكل كتاب تحت عنوان Engineers of Jihad.

 

وفي علاقة بنفس الموضوع، نشير إلى أن نتائج مشابهة كانت قد صدرت في دراسة أخرى عن كلية واست بوينت العسكرية الأمريكية تحت عنوان «The Caliphate’s Global Workforce» وسبق لنا في ساسة بوست نشر عرض وتلخيص لأبرز ما جاء فيها. إذ تشير هذه الدراسة إلى أن المقاتلين لهم خلفيات تعليمية مختلفة، وأن حوالي 50% من المقاتلين درسوا في المعاهد الثانوية و/أو في الجامعة، كما تؤكد على أن عدد المتخصصين في العلوم الشرعية ضعيف جدًّا مقارنة بغيرهم (1.2%). وفي حين وصف 70% من المقاتلين معرفتهم بالعلوم الشرعية بالمحدودة، قال 5% فقط منهم أنهم أصحاب معرفة دينية متقدمة.

 

بالعودة إلى دراسة «معالم التّشدد» الصادرة عن «مركز الدراسات الدينية والجغرافيا السياسية»، نضيف أن 50% من الجهاديين كان لهم انتماء سابق أو نشاط بصلب جماعات إسلامية سلمية ولا تتبنى العنف منهجًا مثل جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم. كما أن 65% من الجهاديين دخلوا السجن في فترة من حياتهم أثناء انتمائهم للجماعات الجهادية، في حين أن 25% من هؤلاء ارتكبوا جرائم قبل تحوّلهم لجهاديين. ومنهم من تبنى الفكر الجهادي داخل السجن.

 

في النهاية، تقدم الدراسة جملة من التوصيات. إذ توصي الجامعات بتخصيص فصول أو دروس تهتم بدعم التفكير النقدي ومعالجة قضايا اجتماعية وسياسية. كما تؤكد على ضرورة الحرص على حضور أحد المناظرين الأكفاء عند زيارة أحد الضيوف أو المحاضرين من أصحاب الأفكار المتشددة دينيًا للكلية. أما في ما يتعلق بالسجون، فتتمثل التوصيات في ضرورة اتخاذ برامج لمحاولة نقض الفكر الجهادي الذي يتبناه المسجون، مع إلزامية الحضور في هذا البرنامج التعليمي/ الإصلاحي. كما تشير إلى وجوب إبعاد أو عزل الجهاديين، وخاصة المنظّرين، عن بقية الشباب في السجن.

 

أخيرًا وليس آخرًا، تدعو الدراسة الحكومات إلى دعم التعاون الإقليمي في ما يتعلق بالأمن والاستخبارات والاقتصاد والحوكمة الرشيدة لمقاومة الظاهرة الجهادية، ومواجهة التنظيمات التي لا تعترف أو تتحدى سلطة الدولة وقوانينها (حتى وإن كانت لا تمارس العنف). كما توصي بضرورة تحدي ومواجهة الفكر السلفي الجهادي وتبيان اختلافه عن الفكر الإسلامي التقليدي، ثم العمل على مواجهة الظروف والأسباب التي قد تساهم في تحويل الشباب إلى جهاديين عبر إدماجهم في المجتمع والإحاطة بهم.

FPA

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=8