هل حقاً ترامب داعية سلام !! بقلم / د. محمد سيد أحمد


هل حقاً ترامب داعية سلام !! بقلم / د. محمد سيد أحمد      

عودة دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية يعني أن أكبر دولة في العالم قد أفلست فعلياً، والغريب في الأمر ذاكرة السمك التي أصابت العقل الجمعي العالمي عامة والعربي خاصة، فلازال هناك من يعتقد أن ترامب يمكنه اتخاذ قرار يخالف التوجهات الإمبريالية للإدارة الأمريكية، وسابقاً تحدثنا عن أن الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية وجهان لعملة واحدة، وجه قبيح يلبس قناع، وأخر قبيح أيضاً لكنه بدون قناع، وكلهما ينفذ تعليمات اللوبيات التي تسيطر على مؤسسات الدولة العميقة الأمريكية، وفي مقدمتها اللوبي الصهيوني، لذلك فعلينا أن لا نعير اهتمام لذلك التصريح الصادر عن دونالد ترامب عقب إعلان نجاحه في الانتخابات الرئاسة الأمريكية، والذي يؤكد من خلاله أنه داعية سلام وأنه مناهض للحرب وسوف يعمل على إنهاء الحروب في أوكرانيا وغزة ولبنان بسرعة، فالرجل المعروف بجنونه ووقاحته لا يملك من الأمر شيء، فقط سوف ينفذ تعليمات الإدارة الأمريكية التي تتحكم فيها جماعات الضغط، فإذا كانت توجهات الإدارة الأمريكية تسعى فعلاً لإنهاء هذه الحروب فسوف يحدث ذلك، وإذا لم تكن النية تتجه لذلك فلن يفعلها هذا المخبول.

 

وبالطبع لسنا بحاجة لتأكيد وإثبات أن دونالد ترامب هو أسوء رئيس أمريكي جلس في البيت الأبيض، وأكثر رئيس أمريكي أضر بالصورة الذهنية عن الديمقراطية الأمريكية المزيفة والمزعومة، وأكثر رئيس أمريكي تعامل بفجاجة أثناء تطبيق السياسة الإمبريالية للولايات المتحدة الأمريكية، وهي السياسة التي تتبعها الدول الكبرى القوية على الدول الصغيرة الضعيفة، بهدف توسيع السلطة والسيطرة عن طريق استخدام القوة والتي غالباً ما تكون قوة عسكرية، وتتم من خلالها الاستيلاء على الأراضي وفرض السيطرة السياسية والاقتصادية عليها، والإمبريالية مصطلح حديث ظهر في الفكر السياسي بعد الثورة الصناعية في أوروبا لكنه له جذور ضاربة في أعماق التاريخ، وتعتبر الإمبريالية سياسة غير أخلاقية، وغالباً ما يستخدم المصطلح لإدانة السياسة الخارجية للدول المعادية.

 

 وحديثاً شهدت منطقتنا العربية أكبر هجمات إمبريالية على يد القوى الإمبريالية القديمة وفي مقدمتها انجلترا وفرنسا من أجل السيطرة على المواد الخام وأسواق المنتجات الصناعية، والآن تمارس هذه الإمبريالية بواسطة الامبراطورية الأمريكية الفاجرة التي حلت محل القوى الإمبريالية القديمة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وأصبحت تمارس هذه السياسة الغير أخلاقية على مجتمعاتنا العربية خاصة دول الخليج الغنية بالنفط أحد أهم مصادر الطاقة المتطلبة للصناعة، هذا إلى جانب تحولها لأكبر الأسواق المستهلكة للسلع المصنعة في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

 وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تمارس هذه السياسة الإمبريالية منذ عقود عبر رؤسائها المتعاقبين لكن بنوع من الخجل وبطرق سرية وخلف الأبواب المغلقة، إلا أن هذه السياسة في فترة حكم ترامب الأولى اختلفت تماماً فالرجل فج ولا يعرف الخجل ولا يجيد لعب هذا الدور السياسي الغير أخلاقي بطريقة سرية أو خلف الأبواب المغلقة أو من تحت الطاولة، بل خرج علينا في عام ٢٠١٨ وعلانية وأكثر من مرة ليهدد أكبر وأغنى دولة خليجية وهي المملكة العربية السعودية بأنها لابد وأن تدفع لبلاده ثمن حمايتها، بل تمادى وأعلن عن مكالمة تمت بينه وبين الملك سلمان هدده فيها بضرورة الدفع وإلا لن يبقى على كرسي الحكم أكثر من أسبوعين.

 

ونذكركم أنه في أعقاب هذا الإعلان لترامب أمام حشد كبير من الأمريكيين في ولاية مسيسيبي يوم الثلاثاء 2 أكتوبر ٢٠١٨ تناقلت وكالات الأنباء العالمية تصريحاته والتي لم توجه فقط للسعودية بل لليابان وكوريا الجنوبية وقام الصحافي جيفري تايلور بتقديم ملخصاً لخطاب ترامب المطول تم نشره على موقع يوتيوب يقول : " أنا أحب السعودية، وقد تحدثت صباح اليوم مع فخامة الملك سلمان مطولاً، وقلت له أيها الملك لديك تريليونات من الدولارات، وبدوننا لا أحد يعرف ماذا قد حدث ربما قد لا تكون قادراً على الاحتفاظ بطائراتك، لأنها ستتعرض للهجوم، لكن معنا هي في أمان تام، لكننا لا نأخذ في المقابل ما يجب أن نحصل عليه، نحن ندعم جيشكم، لذلك دعوني أسأل : لماذا ندعم جيوش هذه الدول الغنية ؟ أمر مختلف أن نقدم الدعم لدول تعيش وضعاً صعباً وخطيراً، مع فظائع يمكن أن تحدث، ويمكن أن تكون قبيحة، مئات الآلاف .. ملايين البشر ربما يقتلون، لكن أن يكون لديك دول غنية مثل السعودية مثل اليابان وكوريا الجنوبية لماذا إذن ندعم جيوشها ؟ لأنهم سيدفعون لنا، المشكلة أنه لا أحد طالب بذلك من قبل ".

 

ولم يكتفى ترامب يومها بما صرح به وتناقلته وكالات الأنباء العالمية بل عاد بعد يومين فقط وفى يوم الخميس 4 أكتوبر ٢٠١٨ وأمام حشد كبير من الأمريكيين في ولاية منيسوتا إلى مسألة مطالبته لملك السعودية بدفع المزيد من الأموال لواشنطن مقابل حماية جيوشها لبلاده، وقال ترامب محدثا الحشود المؤيدة لحزبه : " نحن ندافع عن دول غنية للغاية لا تقوم بتعويضنا، كل ما يدفعونه نسبة ضئيلة جداً، لدينا علاقات جيدة مع هذه البلدان، لكن على سبيل المثال السعودية، هل تعتقدون أن لديهم المال ؟ نحن ندافع عنهم وهم لا يدفعون إلا نسبة ضئيلة .. إنهم يدفعون 30 % فقط ونحن نتحدث عن مليارات ومليارات الدولارات".

 

 وقبل هذه التهديدات وفي ٦ ديسمبر ٢٠١٧ كان ترامب قد قام بإعلان القدس بشقيها الشرقي والغربي عاصمة أبدية للعدو الصهيوني متجاهلاً الحقوق التاريخية للشعب العربي الفلسطيني، ومخالفاً للقانون الدولي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم يكتفي ترامب بذلك ففي ٢٥ مارس ٢٠١٩ وقع ترامب إعلاناً يعترف فيه بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة من العدو الصهيوني عام ١٩٦٧ ضارباً عرض الحائط بمقررات الشرعية الدولية، وبحق الشعب العربي السوري في جزء من أراضيه وحدوده التاريخية، وقبل تهديد السعودية مباشرة وفي ٨ مايو ٢٠١٨ أعلن ترامب خروج بلاده من الاتفاق النووي مع إيران في محاولة لإشعال النيران وزيادة التوترات في المنطقة، هذا ولم يترك ترامب مقعده قبل إجبار الدول العربية على تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني تحت مسمى اتفاقيات أبرهام والتي بدأت بالتطبيع الإماراتي في ١٦ سبتمبر ٢٠٢٠، ثم البحرين والمغرب والسودان، دون مراعاة مشاعر الشعوب العربية المناهضة للتطبيع مع العدو الصهيوني.

 

هذه بعض الجرائم التي ارتكبها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترة رئاسته السابقة حاولنا التذكير بها حتي ننشط ذاكرة العقل الجمعي العربي والعالمي حول ما يمكن أن تمليه الإدارة الأمريكية على هذا الرئيس المجنون، والذي يعتقد البعض أنه بإمكانه إيقاف نزيف الدم في أوكرانيا وغزة ولبنان كما صرح وبأقصى سرعة، ترامب يا سادة ليس داعية سلام، والإدارة الأمريكية هي التي تدير الحرب سواء في أوكرانيا أو غزة ولبنان، وما زيلينسكي ونتنياهو إلا وكيلين يخوضان هذه الحرب نيابة عن الأصيل وهو العدو الأمريكي، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

 

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=971