سورية في عُمُق عين العاصفة الإسرائيليّة مجددًا وتصعيد الغارات وحمَلات الاغتيال قد تتصاعد رأسيًّا وأُفقيًّا.. ما هي الأسباب الحقيقيّة وراءَها؟ وما هو ردّ دِمشق وموسكو على المطالب الصهيونيّة الابتزازيّة الوَقِحَة؟ ولماذا نلفت نظر حزب الله لخُطورة المِصيَدة الأمريكيّة الجديدة تحت مُسمّى “وقف إطلاق النّار”؟ بقلم: عبد الباري عطوان إذا أرَدنا أنْ نفهم أسباب تصاعد تطوّرين مُهمّين برَزا في المِنطقة، وتحديدًا الحِراك الدّبلوماسي الأمريكي الحالي للوصول إلى وقفٍ لإطلاقِ النّار في لبنان، والثّاني تصاعُد الهجمات العُدوانيّة الإسرائيليّة على سورية، لا بُدّ من العودة إلى تصريحات أدلى بها جدعون ساعر وزير الخارجيّة الإسرائيلي الجديد في مُؤتمر صحافي قبل يومين في تزامنٍ مع تسليم السّفيرة الأمريكيّة لمسودّة اتّفاقٍ لوقفِ إطلاق النّار في لبنان إلى السيّد نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني، وزيارة رون درمر وزير الشّؤون الاستراتيجيّة في دولة الاحتلال المُفاجئة لموسكو. الوزير ساعر عقد مُؤتمرًا صحافيًّا الهدف منه التّركيز على الاستِهداف الإسرائيلي لسورية، وفرض شُروط تعجيزيّة عليها عندما قال “إنّ الهدف المُتعلّق بمنع حزب الله من جلب أسلحة عبر الأراضي السوريّة إلى قواعده في لبنان، يُعتبر مبدأً أساسيًّا يجب أن يُبنى عليه أي اتّفاق لوقف إطلاق النّار في لبنان، ورمى الوزير ساعر الكُرة في ملعب موسكو للعبِ دورٍ أساسيٍّ في هذا المجال لتحقيق هذا الهدف.. وإلّا. بمعنى آخر، أنّ اتّفاق وقف إطلاق النّار في لبنان بات مرهونًا بإضعاف حزب الله من خلال وقف إمداداته من الأسلحة الإيرانيّة الحديثة والمُتطوّرة لتعويض ما خسره، وما يُمكن أن يخسره في المُستقبل في حالِ استمرارِ حرب الاستِنزاف التي يشنّها حاليًّا في العُمُق الإسرائيلي، وخاصَّةً الصّواريخ الثّقيلة والمُسيّرات الانقضاضيّة المُتطوّرة التي تلعب دورًا كبيرًا في إلحاقِ أكبر قدرٍ مُمكن من الخسائر في القواعد العسكريّة والاستخباريّة الإسرائيليّة في حيفا ويافا وعكا وصفد والمطلة وطبريا. ad *** حتّى تُحقّق إسرائيل هذا الهدف، أي وقف وقطع خُطوط الإمدادات العسكريّة الإيرانيّة إلى حزب الله وإلى الأبد، اتّبعت ثلاثة مسارات: الأوّل: تصعيد الهجمات الجويّة الإسرائيليّة على قلب العاصمة السوريّة، وحي المزة الدبلوماسي الأشهر فيها، واستهداف مكاتب للجهاد الإسلامي، واغتيال قيادات إيرانيّة، وقبلها قصف القنصليّة الإيرانيّة، والهدف إحراج القيادة السوريّة وربّما جرّها إلى مُواجهةٍ أو ردودٍ ليست جاهزة لها في الوقتِ الرّاهن. الثاني: تدمير خمسة من المعابر بين سورية ولبنان، وخاصَّةً معبر المصنع الدولي، وإغلاقها بالكامل والإبقاء على معبر واحد فقط، هو معبر طرابلس الذي باتَ مُزدحمًا سواءً بالمُسافرين أو النّازحين، أو الشّاحنات، بصُورةٍ تجعل فترة الانتظار للعُبور تزيد عن أربعة أيّام في أفضل الحالات، والذّريعة أنّ هذه المعابر تُستَخدم في تهريب السّلاح. الثالث: توجيه إنذار قوي لموسكو بأنّ رفضها للضّغط على السّلطات السوريّة ولعب دور فاعل في وقف خط إمداد السّلاح الإيراني لحزب الله، يتمثّل في قصف الطّائرات الإسرائيليّة لأهدافٍ عسكريّةٍ سُوريّةٍ في مدخل مدينة اللاذقية، وعلى بُعد مسافةٍ قصيرةٍ من قاعدة حميميم الجويّة الروسيّة، وهو القصف الذي يُهدّد أرواح الجُنود والطّائرات المُتواجدة فيها، والرّسالة تقول إمّا أنْ تتعاونوا معنا، وتُحقّقوا مطالبنا، وإلّا قواعدكم ونُفوذكم في سورية مُهَدَّدٌ بالخطر. الرّد الروسي على هذا الابتزاز الإسرائيلي الوَقِح جاءَ على لسان ألكسندر لافرنتيف مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سورية، عندما قال “منع وصول السّلاح لحزب الله عبر الأراضي السوريّة ليس جُزءًا من التّفويض الروسي العسكري في سورية، والقوّات الروسيّة موجودة على أرضها فقط لمُحاربة الإرهاب وليس مُراقبة الحُدود وتنظيم نقاط تفتيش”. ما يُمكن استِخلاصه من كُل ما تقدّم، أنّ روسيا لن تلعب دور كلب الحِراسة لدولة الاحتلال الإسرائيلي في سورية أو غيرها، وتعتبر هذه المطالب التي حملها الوزير الإسرائيلي درمر إليها وما تحتويه من مطالبٍ هو قمّة الوقاحة، حسب ما ذكرته لنا مصادر مُقرّبة من دائرة القرار في العاصمة الروسيّة، والأهم من ذلك أنّ الرّد الأوجع جاءَ من خلال تسريب أنباء تُؤكّد أنّ مُعاهدة الشّراكة الاستراتيجيّة بين روسيا وإيران، وتتضمّن الدّفاع المُشترك والأسلحة المُتطوّرة خاصَّةً منظومات صواريخ “إس 400″، وربّما “إس 500″، وطائرات سوخوي المُقاتلة المُتطوّرة، باتت جاهزة للتّوقيع في الأيّام القليلة القادمة. *** سورية باتت في عين العاصفة الإسرائيليّة، وهُناك خطّة إسرائيليّة قديمة مُتجدّدة لمُحاولة جرّها إلى معركة ليست مُهيّأة لها في الوقتِ الرّاهن في ظِل الحِصار ووجود قوّات أمريكيّة وتركيّة على أراضيها في الشّمال والشّرق، حسب مصادر سوريّة وثيقة، ولكن إذا استمرّت هذه التّهديدات الإسرائيليّة التي قد تتطوّر إلى حمَلات اغتيال تستهدف رؤوسًا كبيرة في السّلطة، فإنّ الرّد قد يكون حتميًّا، ولعلّ خطاب الرئيس بشار الأسد في القمّة الإسلاميّة العربيّة المُشتركة تضمّن مُؤشّرات تُؤكّد هذه الفرضيّة. إسرائيل لم تعد تتحمّل حرب الاستنزاف المُتصاعدة التي تشنّها قوّات المُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة بزعامة حزب الله، ولهذا أوعزت لأمريكا أن تُكثّف جُهودها للتوصّل إلى وقف إطلاق النّار، ولكن على أساس الشّروط الإسرائيليّة، فعندما تصل الصّواريخ والمُسيّرات إلى مقر قيادة وزارة الدّفاع، ومقر قيادة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وغرفة العمليّات العسكريّة لإدارة الحرب في غزة ولبنان في تل أبيب، فإنّ هذا يعني أنّه لا تُوجد بقعة آمنة في فِلسطين المحتلّة لا تصل إليها صواريخ حزب الله ومُسيّراته. نتمنّى على قيادة “حزب الله” الميدانيّة والسياسيّة اللّتين أبليتا بلاءً حسنًا في حرب الاستنزاف أن تتعاطيا بحذرٍ شديد مع مشروع وقف إطلاق النّار الأمريكي المسموم الذي يُشكّل خُطورةً كبيرةً لإيقاع المُقاومة في المِصيَدة لتدميرها، وهي مِصيَدة مُماثلة لأُخرى جرى نصبها للمُقاومة الإسلاميّة في قطاع غزة على مدى 13 شهرًا من عُمر العُدوان الإسرائيلي، ومن حُسن الحظ أنّ المُقاومة في القطاع تنبّهت لهذا الخطر وتصلّبت في التمسّك بشُروطها كاملة، ونأمل أن تسير قيادة حزب الله الجديدة الشابّة والمُخضرمة على النّهجِ نفسه، ونحنُ على ثقةٍ أنّها ستفعل ذلك، بالنّظر إلى وعيها ودهائها في إدارة الحرب بكفاءةٍ عاليةٍ مُؤلمةٍ ومُتدرّجةٍ في جبَهات القتال، سواءً على الحُدود أو في العُمُق الاحتِلالي الإسرائيلي.. والأيّام بيننا. |
||||||||
|