عاجل

مياه الشرب تهدد الأميركيين بـ"أمراض خطيرة"    هل زودت تركيا إسرائيل بالمعلومات لصد الهجوم الإيراني ؟    الميادين: نيران من لبنان باتجاه هدف عسكري في محيط عرب عرامشة    

الاخوان المسلمون وتركيا .. الجسد يبحث عن الرأس .. فلسطين بين التشييع والتطبيع .. بقلم نارام سرجون

2020-08-25

الاخوان المسلمون وتركيا .. الجسد يبحث عن الرأس .. فلسطين بين التشييع والتطبيع .. بقلم نارام سرجون

منذ ان ظهرت قضية خاشقجي انتهت رسميا الهدنة الوهابية الاخوانية والعلاقة التخادمية التي استمرت عقودا .. ففي جسد خاشجقجي المنشور تجسدت نهاية العلاقة الوهابية الاخوانية بعد قرابة نصف قرن من الهدنة التي أملاها وجود أعداء مشتركين هو القومية العربية وتيارات البعث في سورية والعراق التي لم تخف مشروعها في توحيد كل المنطقة بما فيها الجزيرة العربية وشمال افريقيا .. فزمن عبد الناصر والناصرية والبعثيين اضطر النقيضين والعدوين اللدودين من الاخوان والوهابية للتوحد في معركة مصيرية ضد ناصر والقوميين عموما..


فالاخوان والوهابيون وجدوا في المنطقة تقريبا في نفس الزمن بين العشرينات والثلاثينات .. وفي حين كانت الوهابية ترفض فكرة الخلافة فان جوهر فكرة الاخوان هي اعادة الخلافة العثمانية على اساس أنها الخلافة الاقرب زمنيا .. والفارق بين الاثنين ضئيل فالخلافة العثمنية ليست خلافة شورية بل سلطانية وملكية في النهاية ومحصورة في خلفاء بني عثمان .. أما الوهابية فانها ملكية مطلقة محصورة في بني سعود .. الا أن خلافة بني عثمان تستمد تبريرها وشرعيتها الفقهية من أنها خلافة ضمت كل أقطار الشرق الاسلامي وكانت جامعة له لأربعة قرون وصنعت منه امبراطورية على عكس الوهابية التي ظلت محصورة في اطار داخلي قبلي وبلا انجازات خارجية .. ومن الافضل الاعتماد على من كانت له أسس أقوى..

ولذلك فان الخلافة التي كان الاخوان المسلمون يريدونها كانت تحديدا آخر خلافة سقطت وهي الخلافة العثمانية لاعتبارات واقعية بالنسبة لهم فمن غير المنطق الرهان على حركة عائلية وهابية واهمال الارث الامبراطوري القريب .. ومن الواقعية عدم العودة في رحلة عبر الزمن بضعة قرون الى زمن الخلافات العربية الراشدية والاموية والعباسية التي انقرضت ولم يبق منها شيء .. فأقرب الخلافات هي الخلافة العثمانية والتي بقيت آخر قطعة فيها مثل رأس الأفعى في تركيا والتي لايزال يسري في عروقها دم الخلافة الأخيرة .. وكان مشروع الاخوان المسلمين أن يعاد الجسد الى الرأس لأن الرأس لم يعد قادرا على الحركة بعد أن بترت أطرافه في العالم العربي .. فالخلافة العثمانية في معظمها قامت على الجسد العربي والرأس التركي الذي تمدد قليلا في البلقان ولكن جسده الكامل كان عربيا مشرقيا .. ولذلك نشط الاخوان المسلمون في الجسد العربي وفي تفكيرهم أن عودة الحياة الى الأطراف والجسد ستقود الى التحامها بالرأس التركي وشفاء الخلافة من الفخ التاريخي الذي وقعت فيه في الثورة العربية الكبرى التي قادها الانكليز..
في الصراع مع زمن عبد الناصر وظهور رأس جديد على غير توقع هو القومية العربية كبديل عن الرأس العثماني للمنطقة .. كان الرأس الوهابي يراقب الصراع بين عدويه القديم والجديد .. بين أنصار الخلافة من الاخوان المسلمين وأنصار القومية من العروبيين .. وكان من الصعب على الوهابيين الاختيار بين العدوين .. وكان الصراع بين الاخوان والقوميين من أجمل ماتذوقته قلوب الوهابيين .. فأعداؤهم يتكفلون بأعدائهم .. ولكن حسم الوهابيون الأمر أخيرا ضد عبد الناصر لأن القومية العربية أصيلة في المنطقة .. ونهوض القومية العربية سيعني نهوض شكل مبطن جديد للخلافة الاسلامية وهو عودتها الى اصولها العربية كبديل عن الخلافة العثمانية التركية وهذا النهوض للقومية العربية ومضمونها الخلافة العربية المحتمل يعني نهاية الحكم الوهابي الملكي كواجهة عربية للحكم في الشرق ضد الاخوان المسلمين أصحاب المشروع العثماني .. ولذلك وفي حمأة الصراع بين الاخوان والقوميين العرب استوعبت المملكة السعودية كل الهاربين من الحرب مع عبد الناصر من الاخوان المسلمين ومن الاخوان المسلمين الهاربين من سورية بعد هزيمتهم في الثمانينات .. وآوتهم ورعتهم رغم انهم أعداؤها القدامي بشرط أن يكون صراعهم وحقدهم ونشاطهم على عبد الناصر والقوميين وليس معها كعدو مشترك..

وبقي الاخوان في الجيب الوهابي والحضانة السعودية الى أن تم اطلاقهم في الربيع العربي في الهجوم الاخير على آخر مابقي من القومية العربية .. ولكن أخطأت الحسابات الوهابية عندما وجدت أن الجسد الاخواني التقى بالرأس الاخواني للخلافة في تركيا لأول مرة .. فالأطراف التي كانت مبعثرة وبلا رأس صار لها رأس يتحرك ويلهم .. وهذا مااستدعي اعادة نظر وهابية عاجلة فيما اقترفت أيديهم .. فتم دعم اسقاط الاخوان في مصر ومحاولة فرملتهم في شمال افريقيا لاستعادة ماأعطي للاخوان وابقاء الرأس من دون أطرافه كيلا يكون قادرا حتى على الزحف .. وبدأ الاخوان الهجوم المعاكس بشراسة بالغة على السيسي ولكن المقصود في الحقيقة هو الهجوم على السعودية التي باركت الحركة المصرية في ابعاد الاخوان المسلمين .. وتعرض السيسي لأشرس حرب دعائية وتحريضية من مراكز وغرف اعلامية سوداء في تركيا حتى انه نسب الى عائلة يهودية..


في الصراع بين الطرفين استعمل الطرفان كل مايمكنهما .. وحاولت السعودية اجتياح قطر وحرمان تركيا من قاعدة هامة للاخوان المسلمين في الخليج ومنع التمويل القطري السخي .. فقررت تركيا التوغل أكثر في الهجوم المعاكس واستدرجت الخاشقجي الى تركيا وحاولت ابتزاز السعودية وثنيها عن متابعة الحرب على الاخوان المسلمين وروج اعلامها الاخواني ان العائلة السعودية ستنهار..
وفي هذا الصراع كانت فلسطين هي الطفل اليتيم الذي وضع في دائرة الطباشير حيث تدعي كل أم انه ابنها وتشد كل واحدة ذراع الطفل حتى انشطر الى نصفين لسبب بسيط جدا وهو أن الطفل ليس ابنا لأي أم منخرطة في الصراع .. لكن ادعاء أمومة الطفل سيعطي شرعية لمن تحصل عليه .. فالوهابية تقول انها راعية القضية الفلسطينية والاخوان يقولون انهم هم من يرعى القضية الفلسطينية..
ولذلك ستجد ان من يقوم بالتشنيع على الامارات العربية والسعودية في قضية التطبيع والسلام مع اسرائيل هي غرف الاخوان المسلمين لأن محور المقاومة رغم رفضه الا انه لايملك هذا الانتشار وشبكات السوشيال ميديا المنظمة والواسعة التي تهاجم في 95% من منشوراتها السعودية والامارات ومصر وتحملها مسؤولية الاخفاقات الفلسطينية وهزائم القضية الفلسطينية الحالية ومعاناة الفلسطينيين .. وتغيب قطر كليا عن هذا الهجوم رغم ان لها حصة الاسد في تدمير القضية الفلسطينية عبر اشغال محور المقاومة بمعارك الربيع العربي وتشتيت الانتباه عنها وتحويلها الى قضية قديمة وسخيفة عبر اعلام الجزيرة الذي جعل فلسطين قضية تافهة مقابل الحرية والديمقراطية وقدم المسؤولين الاسرائيليين الى المشاهد العربي وجعله يطبع معهم .. وغابت تركيا كليا عن كل الانتقادات والهجوم الذي يشنع على المطبعين بل ويتم تصوير كل مايصدر عن اردوغان من ثرثرات فلسطينية وعنتريات فارغة على انه الزعيم الوحيد الذي يدافع بشراسة عن فلسطين رغم ان الرجل لم يسجب موظفا من سفارته في اسرائيل ولا حتى بوابا ولم يطرد اي موظف اسرائيلي في استانبول ولم يوقف استيراد علبة سكائر واحدة من اسرائيل ومع هذا فانه البطل الهصور الذي يدافع ضد حقارة المطبعين الاماراتيين والسعوديين..

وكل هذا الصراع بين محوري الوهابية والاخوان لايقصد فيه فلسطين رغم ان الخطابات ممتلئة بفلسطين .. ولكن الامر ليس فيه اي جدية .. ويكفي أن نقارن بين الهجوم على التطبيع والهجوم على التشييع .. فالهجوم على التشييع كان منسقا بين الإخوان والوهابية وكان التحريض ناجحا في انه أقنع جزءا من الناس وخدعهم .. فكل فكرة الحرب على سورية بنيت على انها لضرب المشروع الصفوي والهلال الشيعي .. وقلب الفكرة الجهادية هي حماية المنطقة السنية من مخطط التشييع .. ونجحت الضغوط الاعلامية في القاء الهلع في محور المقاومة من فكرة اثبات ان اللقاء السوري الايراني هو لقاء التشييع .. وفي حين ان الهجوم على التشييع كان شرسا جدا فان كل التطبيع الاخواني عبر اردوغان ومعاهداته العسكرية والاقتصادية مع اسرائيل لم ينل اي انتقاد .. كما ان التطبيع الاخواني المصري في زمن محمد مرسي تم تجاهله وكأن رسالة الصداقة العظيمة بين مرسي وبيريز لم تكن موجودة .. او كأن محمد بن زايد قد قال أكثر منها .. واشتغل التطبيع الاخواني تحت ستار من دخان التمويه بالتشييع .. ففيما المسلمون منشغلون بخطر التشييع كان التطبيع على قدم وساق وبسكوت جماهيري اخواني شامل عن هذا التطبيع لأن العقل الشعبوي تم الهاؤه عن التطبيع بقتال التشييع..


المعركة اليوم بين الوهابية والاخوان شرسة جدا ولكن أكثر ضحية بينهما هي فلسطين .. وهي الدريئة التي يصدون بها سيوف بعضهم .. وفلسطين هي القضية المختطفة بين حركتين كل تشدها من ذراعها وتدعي أمومتها .. والحقيقة هي ان فلسطين لاتنتمي الى أي من الحركتين المنافقتين .. وغاية كل منهما .. السلطة .. والسلطة فقط..


التعليقات

إدارة الموقع ليست مسؤولة عن محتوى التعليقات الواردة و لا تعبر عن وجهة نظرها

لا يوجد تعليقات حالياً

شاركنا رأيك

Create Account



Log In Your Account