آراء و مقالات

رأس المال.. بقلم : د. عامر خربوطلي

2021-06-23

مصطلح متداول بشدة وكان وما يزال محور اهتمام علماء الاقتصاد في مؤلفاتهم ونظرياتهم وهو بنفس الوقت جوهر عملية النمو الاقتصادي لأي بلد وبدونه لا يوجد استثمارات ولا يوجد نهوض أو تطور اقتصادي فهل رأس المال هو فقط رأس المال المادي أي (الأموال) أم أنه يتوسع ليضم أيضاً رأس المال البشري ورأس المال المعرفي، إنه فعلاً كل ذلك، وعندما يمتلك البلد رؤوس الأموال تلك فإنه امتلك المستقبل وامتلك النجاح والتطور.

رأس المال بالتعريف: هو الثروة التي تُشكل نوعاً من أنواع الأصول ويُستخدم للإشارة إلى القوة المالية الخاصة بالمنشآت أو الأفراد، ويُعرف رأس المال بأنه عبارة عن الأموال المستخدمة في صناعة المزيد من الثروة أو البدء بمشروع جديد. من التعريفات الأخرى لرأس المال هو النقود أو غيرها من الممتلكات التي يملكها الأفراد أو المنشآت ويُستخدم رأس المال بهدف تأسيس مؤسسة أو شركة أو لاستثماره في مجالات متنوعة ويتميز رأس المال بمجموعة من الخصائص منها:

•  يعد رأس المال من المنتجات الخاصة بالعمل البشري فهو نوع من أنواع رؤوس الأموال مثل المباني والآلات وغيرها من إنتاج الإنسان. 

•  يُشكل رأس المال أحد العوامل السلبية للإنتاج إذ لا يمكن أن يقدم رأس المال أي إنتاج إلا مع وجود نشاطات مساعدة له، فمثلاً لإنشاء مبنى يجب وجود عمال قادرين على البناء لذلك لا يستطيع رأس المال أن ينتج أي شيء من تلقاء نفسه.

•  يُعد رأس المال من الوسائل المتغيرة أي لا يمكن تغيير قيمة إجمالي المعروض من الأجهزة ولكن من الممكن تغيير قيمة المعروض من رأس المال من حيث الزيادة أو النقصان. 

•  يتأثر رأس المال بالانخفاض إذ يؤدي استمرار استهلاكه إلى انخفاض قيمته. 

•  يُعد رأس المال جزءاً من مخزون العمل حيث تستخدم رؤوس الأموال من قبل أصحابها لكسب الثروة ويتراكم رأس المال نتيجة للادخار ومن ثم يتم أنفاق جزء منه على المنتجات الاستهلاكية أما الجزء المتبقي فتتم المحافظة عليه. 

•  يقبل رأس المال التدمير حيث من الممكن تدمير كافة المنتجات الرأسمالية بسبب الاستخدام الدائم لها مثل انتهاء العمل الافتراضي للآلات والمركبات المستخدمة في الشركة.

•  يُساهم رأس المال بتوفير فرص العمل للموظفين والعمال وتعد هذه الوظيفة الخاصة برأس المال من الوظائف المهمة ضمن أغلب قطاعات الاقتصاد سواءً النامية منها أو المتطورة، كما قد تكون من المحددات المؤثرة على نسبة العمالة في دولة معينة.

•  ويعد رأس المال من المكونات المهمة للمنشآت بسبب دوره الحيوي في نظام الإنتاج الذي يعزز من أهميته التي تلخص وفقاً للنقاط الآتية:

o  المساهمة في توفير أساسات الإنتاج: هي من ضرورات وجود رأس مال لدعم الإنتاج حيث من الصعب بالنسبة لأي منشأة تطبيق الإنتاج دون رأس المال إذ لا يمكن توفير المواد والمنتجات إلا من خلال استخدام الآلات والأدوات.

o  دعم زيادة الإنتاجية: إذ مع زيادة التطور التكنولوجي أصبح رأس المال وسيلة لإنتاج العديد من السلع حيث ارتبط ارتفاع معدل الإنتاجية مع الاستخدام المستمر لرأس المال.

o  المشاركة بالتنمية الاقتصادية: هي الأهمية المرتبطة بالدور الاستراتيجي لرأس المال حيث يمتلك موقعاً مركزياً ضمن التنمية الاقتصادية إذ يعد تراكم رأس المال الجوهر الخاص بتنمية الاقتصاد الوطني لأي بلد.

يقسم رأس المال إلى:

•  رأس المال الثابت الذي يشمل المواد التي لا تتغير ولا تدخل في التبادل التجاري أو الاستهلاك ضمن دورات الإنتاج ومن أهم الأمثلة عن رأس المال الثابت في معظم النشاطات الاقتصادية هو الأرض والبناء والمنشآت والآلات والتجهيزات الضرورية والطاقة المحركة.

•  رأس المال العامل أو التشغيلي وهو كل المواد والسلع التي تدخل في الإنتاج ولها قيمة مباشرة في قيمة السلعة المنتجة وبشكل مختصر هو كل المواد التي تدخل في دورة اقتصادية متجددة واهم الأمثلة حول رأس المال في مجال الصناعة هي المواد الخام التي تصنع والأيدي العاملة الأجيرة.

•  رأس المال الكلي: وهو قيمة كافة المواد والوسائل والأدوات والأيدي العاملة الثابتة والمتحركة اللازمة لإنتاج دورة اقتصادية كاملة والدورة الاقتصادية هي الفترة الزمنية اللازمة لإعادة تجديد رأس المال المتحرك.

أما رأس المال البشري: فهو مجموعة من السمات – كل المعرفة والمواهب والمهارات والقدرات والخبرات والتدريب والحكم والحكمة التي يمتلكها بشكل فردي وجماعي الأفراد في عدد من السكان هذه الموارد هي القدرة الكلية للشعب الذي يمثل شكلاً من أشكال الثروة التي يمكن توجيهها لتحقيق أهداف الدولة أو جزء من تلك الأهداف.

هو وجهة نظر اقتصادية إجمالية عن الإنسان الذي يتصرف داخل الاقتصادات وهو محاولة للاعتراف بالتعقيد الاجتماعي والبيولوجي والثقافي والنفسي أثناء تفاعلها في معاملات صريحة أو اقتصادية تربط العديد من النظريات بوضوح الاستثمار في تنمية رأس المال البشري إلى التعليم ودور رأس المال البشري في التنمية الاقتصادية ونمو الإنتاجية والابتكار وكثيراً ما استشهد كمبرر للدعم الحكومي للتعليم والتدريب على مهارات العمل.

يختلف رأس المال البشري اختلافاً واضحاً عن رأس المال النقدي المادي بسبب الخاصة الاستثنائية لرأس المال البشري في النمو التراكمي على مدى فترة طويلة من الزمن.

نمو رأس المال النقدي المادي ليس دائماً خطياً بسبب صدمات دورات الأعمال خلال فترة الازدهار.

ينمو رأس المال النقدي بمعدل أعلى نسبياً بينما خلال فترة الركود وهناك تباطأً في رأس المال النقدي من ناحية أخرى فإن رأس المال البشري لديه معدل نمو موحد بشكل مطرد على مدى فترة طويلة من الوقت لأن الأساس الذي يقوم عليه رأس المال البشري قد وضعته المدخلات التعليمية والصحية.

يستفيد الجيل القادم بشكل أكبر من البحوث المتقدمة في مجال التعليم والصحة التي يطلع بها الجيل الحالي لذلك، فإن المدخلات التعليمية والصحية تخلق أثاراً أكثر إنتاجية على جيل المستقبل ويصبح الجيل المقبل متفوقاً على الجيل الحالي بعبارة أخرى فإن القدرة الإنتاجية للجيل المقبل تزداد أكثر من قدرة الجيل الحالي لذلك فإن معدل تكوين رأس المال البشري في جيل المستقبل يحدث بشكل أسرع من معدل تكوين رأس المال البشري في الجيل الحالي هذا هو النمو التراكمي لتكوين رأس المال البشري الناتج عن الجودة العالية للقوى العاملة في الجيل التالي مقارنةً بالجيل السابق.

في الهند مثلاً ازداد معدل تكوين رأس المال البشري باستمرار بعد الاستقلال بسبب التحسن النوعي في كل جيل في العقد الثاني من القرن الـ 21.

الجيل الثالث من سكان الهند ينشطون في القوى العاملة في الهند هذا الجيل الثالث هو نوعياً أكثر الموارد البشرية المتفوقة في الهند وضع قطاعات الخدمات في الهند مع تصدير الخدمات المالية وخدمات البرمجيات.

الخدمات السياحية وتحسين التوازن الخفي في ميزان المدفوعات في الهند استجابة النمو السريع للاقتصاد الهندي للتحسن في قطاع الخدمات هو دليل على النمو التراكمي لرأس المال البشري في الهند.

أما النوع الثالث من رؤوس الأموال فهو رأس المال المعرفي: ويقصد به المعرفة الجماعية أو الضمنية (مثل الخبرات الشخصية) والتي قد لا تكون موثقة ولكنها مختزنة في عقول الأفراد العاملين في مؤسسة أو منظمة أو المجتمع، فهو يعبر عن أشياء غير ملموسة بعكس الأصول الثابتة وهو يتناول حالات الإبداع والابتكار والاختراع والتجديد التي تتم سواءً على مستوى المؤسسة أو الشركة أو على مستوى الاقتصاد الكلي.

وهنا نصل إلى نتيجة مفادها أن رأس المال بمفهومة الإجمالي العام يضم (المادي والبشري والمعرفي) ولكل نوع دوره الهام في معادلة النمو الاقتصادي الجديدة المعتمدة على الاستغلال الأمثل لهذه الموارد فرأس المال المادي تقاس إنتاجيته بمعدل العائد على الاستثمار ورأس المال البشري بالريادة ورأس المال المعرفي بالتقانة وجميعها أصبحت مصادر هذه المعادلة.

إن الاقتصاد السوري وفي هذه المرحلة الحساسة من إعادة الإقلاع بعد أزمة طويلة مرت به بحاجة لجميع رؤوس الأموال تلك (المادية- البشرية- المعرفية) فلا نمو دون عودة رؤوس الأموال المهاجرة وخلق المحفزات لاستقطابها ولا تنمية حقيقية دون عودة الكوادر البشرية والمؤهلات العلمية والمهنية والفكرية التي هاجرت ولا نهوض اقتصادي دون عودة عقول الابتكار والتجديد والإبداع إلى حضن الوطن وبالتالي لا نهوض اقتصادي إذا لم يتم القضاء على الإحباط والمحسوبيات.

فهل عملنا ما يكفي لهذه العودة من إجراءات وتسهيلات ومزايا وهل وضعنا الحصان في مكانه الصحيح من العربة وهل مقومات عودة من يرغب من أصحاب رؤوس الأموال والعقول والإبداع أصبحت متوفرة أم أنها مازالت منفرة، لنرى ونحكم....