عاجل

قضاة العدل الدولية تصدر بالإجماع أمرا جديدا لإسرائيل    استشهاد وإصابة عدد من المدنيين والعسكريين جراء عدوان إسرائيلي على ريف حلب    القبض على سارقي الكابلات الكهربائية بين محطتي دير علي وعدرا    

أسئلة.. بقلم الدكتورة ناديا خوست

2021-06-28

هل القرارات التي تتناول جميع مجالات حياة السوريين اليوم عفوية، أم مبرمجة في حرب جديدة؟ لا يفسر الهجوم على الأدوية والخبز والطرقات والحدائق والليرة العزيزة، إلا ببرنامج للانتقام من الشعب السوري لأنه صمد في الحرب عشر سنوات، ولا يزال يحضن في وجدانه ثوابته الوطنية.

روت لي صبية أنها رأت في الطريق امرأة تبكي شاكية لمن تتحدث معه: -ثمن الأدوية في هذه الوصفة عشرة آلاف ليرة-! وبالأمس قرأنا في فيسبوك قصة رجل مسن يطلب في الصيدلية حبات من الدواء لأنه يعجز عن شراء العلبة كاملة، فيتبرع له صاحب المقالة بثمنها، ويقول له إنها دين كيلا يخجل العجوز.

السؤال الأول، إذن: هل ألغي ما يميز السوريين الذين كانوا يعتزون بأن دواءهم رخيص، لأن صحتهم محصّنة بدعم الدولة؟ هل ترجّح أرباح شركات الأدوية على صحة المواطن، أم الدولار مقياس تقاس به الأسعار، على الطريقة اللبنانية، وهذه توصيات جهات دولية ينفذها أمثال الدردري؟

السؤال الثاني: كان الخبز خطاً أحمر، وتكررت الوعود بأنه لن يمس. فهل نسجل تراجعاً عن هذا المقدس، مع أن ارتفاع الأسعار الشامل لم يُبق للفقراء، وياللخجل، غير الخبز؟

السؤال الثالث: هل جهل من وضع قرار صناعة أشباه الألبان ما فيها من سموم قاتلة؟ ألا يواكب هذا القرار رؤية رئيس منتدى دافوس التي تنصّ على تقليص عدد البشر؟ أم هذا خط في الحرب على الشعب السوري ينفذه الفاسدون؟ ولماذا لا يحاكم من وضع ذلك القرار؟

السؤال الرابع: هل قُررت أجور مواقف السيارات عن جهل، أم لأن من أصدر ذلك القرار يثبت أن الليرة السورية ضعيفة ويقدر الأجر بالدولار؟

السؤال الخامس: هل الجهل سبب قرار محافظة دمشق حفر مرآب تحت حديقة المدفع، وإذا مر المشروع ستحول حدائق دمشق القليلة إلى مواقف سيارات؟ معروف أن حل مشكلة لا يتناول تفصيلاً واحداً، بل يبدأ من فحص جوانب المشكلة كلها. في مسألة السيارة يجب فحص الحلول التي وصلت إليها بلاد السيارات، واتجاه عصرنا إلى المواصلات العامة، وتوسيع المساحات للمشاة، وإبعاد السيارة عن مراكز المدن، وتخصيص مواقف ومسارب خاصة للدراجات. في هذا المخطط الشامل تُعتمد مواصلات عامة مريحة متنوعة غير ملوثة، قبل فرض الأجور الباهظة على مواقف السيارات. ألا تلاحظ المحافظة أن أول ما يخطر للمواطن الذي ينتظر الباصات: لو كان المسؤولون يركبون المواصلات العامة، لبحثوا عن حلول شاملة! أم نحن أمام مخطط ايكوشار جديد لتحويل دمشق إلى مرآب سيارات، بينما تحاط المستوطنات الصهيونية بمساحات خضراء مسروقة من أراضي الفلسطينيين، وتستمتع بمواصلات عامة؟

السؤال السادس: هل استشيرت الأحزاب الهاجعة في مقر الجبهة الوطنية في هذه القرارات؟ هل استشير مجلس الشعب؟ أم الطفيلية أقوى من تلك المؤسسات؟

تكتظ أسئلة أخرى تتناول الضرائب على بيوت الناس، والنسبة المئوية لوزير المالية مما يجبى فيشجعه على أكبر مقدار من الجباية، وقياس ما يفرض على المواطنين بالدولار. لكن السؤال الأساسي هو: هل توجد حكومة سياسية تواجه الحرب ومشروع تفكيك الدولة، وتحمل شرف المشاركة في الانتقال إلى علاقات عالمية جديدة، وتوجد وراء ظهرها حكومة أخرى مطلقة اليد في اللعب بحياة السوريين اليومية، مقياسها الدولار، وقلبها على مكاسب الطفيلية، تبيح لتجار العملة إضعاف الليرة السورية، وتصفّي منجزات السوريين، وتحلم بخصخصة ما بقي من القطاع العام، وتفصل مكانة دمشق الوطنية عن هويتها المعمارية وراحة مواطنيها، وتهفو إلى مشاريع بناء في حدائقها، بعد أن اقتطعت جزءاً من حديقة الجلاء، وأقفلت حديقة الطلائع؟

كثرة القرارات الحكومية التي تثير غضب المواطنين، تفرض علينا، إذا أحسنّا الظن، أن نقول: سببها الجهل. لكن الموقع الاستراتيجي السوري لا يبيح حسن الظن. فارتفاع ثمن الدواء والخبز والضرائب تمس الشعب السوري المنهك من الحرب. ولا تفتقر سورية إلى أصحاب الرؤية الاقتصادية الغيورة على الدولة السورية. لكن يجب أن نسمعهم، ونتبنى مقترحاتهم وبرامجهم.

من المألوف أن يخف نهابو الثروات وتجار الأعضاء البشرية وشبكات الرقيق الأبيض، إلى البلاد التي عانت من الحروب. لكن النهج السياسي المسدد لحماية الشعب يمنع الطفيلية من ارتكاب جرائمها. دمرت مدن ومعامل الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، لكن النهج سُدد لإسكان الشعب، ومكافأة المقاتلين المدافعين عن الوطن. وفي السياق صيغت أجمل الروايات والقصائد والأفلام وشيدت الحدائق والمتاحف.

لذلك لا ننظر إلى الفساد في خفة. ونخشى ثماره السياسية. فالمال الحرام يسعى إلى السلطة ليحمي نفسه. ربى الفساد خونة، وألغى دولة عظمى من تاريخ الإنسانية. ولا يزال صناع المشاريع السياسية الكبرى يستخدمونه في التدمير. بكاء المرأة العاجزة عن دفع ثمن الدواء، وملاحظة أحد زملائنا أن بنات الليل اللواتي يعرضن أنفسهن في زوايا الشوارع بسيطات، دون خبرة الغواني، إشارة إلى أوضاع تهز القلب ويجب أن نرى فيها معناها السياسي. فهل ننتظر فاجعة فاقعة فنرى من يحرق نفسه في الشارع؟


التعليقات

إدارة الموقع ليست مسؤولة عن محتوى التعليقات الواردة و لا تعبر عن وجهة نظرها

لا يوجد تعليقات حالياً

شاركنا رأيك

Create Account



Log In Your Account