عاجل
هل من حل لمواجهة مخاطر الفوضى في لبنان؟.. بقلم: العميد د. أمين محمد حطيط
مع استعصاء الوصول الى تفاهم او توافق لبناني حول انتخاب رئيس للجمهورية ، و في ظل رفض بعض الأطراف للحوار للوصول الي حل وطني للمعضلة و مع ازدياد الضغط علي المواطن اللبناني من باب الشوون الاقتصادية المؤثرة علي المعيشة بات من المنطقي التفكير بالمخاطر التي تحدق بلبنان جراء احتمال انفجار اجتماعي يستغله طرف خارجي او اكثر للنيل من لبنان و مكوناته وجودا و دورا الامر الذي يطرح السؤال لماذا وصل لبنان الى هنا و هل من حل ممكن لمعضلته ؟
للإجابة علي التساؤل لا بد من ان نعود الي سنوات اربع خلت حيث انه في آذار ٢٠١٩ حضر بومبيو وزير الخارجية الاميركي الى لبنان والتقى مسؤولي احزاب يسيرون بالركب الاميركي واطلق ما تصح تسميته " الخطة الاميركية لوضع اليد على لبنان و السيطرة على ميدان المقاومة فيه " وهي ما عرفت بعد ذلك ب"خطة بومبيو٢٠١٩" لتدمير لبنان و التي تتضمن عناوين - مراحل خمس تبدأ بالفراغ السياسي و تنتقل الى الانهيار المالي ثم الانهيار الاجتماعي الذي ينتج الانهيار الأمني و صولا الى التدخل الإسرائيلي الذي يتوج الخطة في المرحلة الخامسة حيث يتم التدخل العسكري للقيام بما عجزت إسرائيل عنه في العام ٢٠٠٦ضد المقاومة و يكون مسبوقا بفتنة داخلية تحاصر المقاومة و تمكن إسرائيل منها .
تجند لتنفيذ خطة بومبيو لبنانيون في مواقع رسمية او سياسية كما و حشدت لها منظمات غير حكومية و بعض قطعات الدولة العميقة في لبنان سواء المقامات السياسية او المواقع المالية و المصرفية والاقتصادية ثم اطلقت ما اسمي ب "ثورة ١٧ تشرين ٢٠١٩" التي انخرط فيها لبنانيون عن حسن نية لكن سرعان ما تراجعوا عندما ادركو أهدافها و مدى وجود اليد الاميريكية فيها ، لكن الخطة الاميريكية استمرت و بنجاحات متفاوتة في المراحل الثلاث الاولى (الفراغ السياسي – الانهيار المالي- الانهيار الاقتصادي) لكنها و لظروف خارجة عن يد المخطط و ادواته اللبنانية لم تنجح حتى الآن رغم المحاولات الحثيثة في أحداث الانهيار الأمني الذي هو المرحلة الخطرة و المهمة في هذه الخطة ، و سبب الفشل عائد إلى ظروف موضوعية كما و ظروف ذاتية لدى المنفذين و من يواجههم . و هنا نأتي الى موضوعنا : هل تقع الفوضى في لبنان ؟
في البدء لا بد من الإقرار بأن عناصر إنتاج الفوضى و ادواتها متوفرة و قائمة في المشهد اللبناني بدء ا بالتردي في الحالة الاجتماعية نتيجة الانهيار المالي و النقدي و الاقتصادي الذي سهل و ساهم الفساد المستشري في الدولة بحصوله ، ثم وهن بنية الدولة السياسي في ظل حكومة تصريف أعمال مقيدة الصلاحية و مغلولة اليد دستوريا و متنازع على صلاحياتها داخليا و تتعرض لوجه أو اكثر من وجوه الحصار الخارجي، دون ان نغفل الأعباء التي يرتبها على لبنان اقتصاديا و امنيا وجود اكثر من مليوني سوري نازح اليه بسبب الحرب التي استهدفت سورية و يرفض الغرب عودتهم الى وطنهم و تذعن حكومة لبنان للاملاء الاميركي – الغربي بصددهم ، دون أن نغفل أيضا نزعة خطرة بدأت المجاهرة بها من بعض الأطراف العاملين على المسرح السياسي اللبناني حيث يدعون الى " الطلاق في الوطن" ردا على وجود المقاومة ، او الدعوة الى الفيدرالية او اللامكرية الإدارية و المالية الموسعة التي تخفي تقسيما ضمنيا ،يطلقون ذلك في ظل عدم قدرتهم على الإمساك بقرار الدولة و استعادة مشهد ١٩٨٢ ، عملا بمقولة أحد قادة اليمين في حرب السنتين "لبنان لنا او للنار ".
إن عناصر إنتاج الفوضى مع ما تحمله من مخاطر وجودية على لبنان باتت متوفرة الى حد بعيد و لكنها في تأثيرها و فعاليتها لم تصل الى الحد الذي يمكن القول معه بأن الفوضى ثم الانهيار ثم تفتيت لبنان بات امرا واقعا و مخاضا لا يمكن تجنبه ، حيث أن هناك عوائق داخلية و خارجية تمنع بلوغ الفوضى اما اذا وقعت و انفجر الوضع فيمكن لتلك العوائٍقاخحث منعها من بلوغها الحد الذي يخشى فيه على لبنان وجودا ووحدة و مقاومة في ظل عوامل عدة أهمها :
أ) رفض شرائح شعبية واسعة في الداخل تتجاوز النصف رفضها للتجزئة الصريحة او المقنعة ، و هنا نؤكد علي ان هذا الرفض ليس محصورا في طائفة او منطقة بل هو قائم لدى الأغلبية في كل الطوائف و المناطق .
ب) عجز قوى التجزئة عن فرضها ميدانيا ، و هي قد تستطيع احداث فوضى و توتر في مهلة محددة و لكنها عاجزة عن الاستمرار في ذلك في ظل وجود ارجحية القوة الرسمية و الشعبية المعارضة لتوجهاتها.
ت) رفض المقاومة و بيئتها لهذا المسار و قدرتها على التصدي و الحسم ،
ث) تشكل العوامل الإقليمية التي بدأت رياحها تتحرك ضد مشاريع التفتيت و التقسيم و لنا فيما يجري في سورية و العراق اليوم النموذج الحي الحاضر .
بيد أنه لا يمكن الركون الى قوة و صلابة فريق الرفض للفوضى و التقسيم ، و التعامل مع الواقع كانه طبيعي و ان لا خطر يتهدد المشهد الوطني ، لأن منع الفوضى و معالجة أسبابها للحؤول دون وقوعها يبقى اهم و اجدى من التصدي لها بعد وقوعها و أحداثها للأضرار التي تفرض على الوطن ويلات و مآسي، و في هذا المجال و في ظل تمترس دعاة الطلاق و التجزئة في موقع الرفض للحوار والحل الوطني فاننا نرى ان السبيل المتاح و المشروع للخروج من دائرة المخاطر التي تحدق بالوضع اللبناني يكون عبر لقاء وطني يجمع القوى المتمسكة بوحدة لبنان المستقل و قوته و موقعه العربي و الإقليمي و يفضي إلى اعلان حالة طوارئ وطنية لبلورة صيغة مرحلة انتقالية للحكم في لبنان من شأنها ملأ الفراغ السياسي بدءا برئاسة الجمهورية يليها حكومة وطنية تضم جميع من شارك في هذا المؤتمر الوطني ، و منحها صلاحيات خاصة من شأنها أن تضمن :
1) الالتزام بتطبيق الدستور في نصوصه القائمة والعمل على تفعيل المعطل منها دونما استثناء بما في ذلك المواضيع السياسية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية،
2) إطلاق عجلة الدولة دونما ابطاء خلال المرحلة الانتقالية التي تحدد مهلتها ب ٣ سنوات هي مهلة ما تبقى من ولاية مجلس النواب الحالي،
3) ضمان متطلبات العيش الكريم للمواطنين عامة ولموظفي القطاع العام خاصة للتمكن من إطلاق عجلة الدولة كما ووضع خطة عملية لضمان إعادة الودائع الي أصحابها،
4) إعادة حق تفسير الدستور الى المجلس الدستوري ومنح هيئات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية الحق بالطعن بدستورية القوانيين.
5) مراجعة نظام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤوساء والوزراء وأصول المحاكمات لديه وحصر الحصانة في اضيق الأطر ومنح القضاء العادي الحق بالملاحقة خارج دورات الانعقاد او بعد انتهاء الولاية.
6) تطهير الادارة والقضاء والامن عبر هيئة وطنية عليا للشفافية والإصلاح،
7) معالجة قضية النزوح السوري الي لبنان بالعمل الجدي مع الحكومة السورية.
8) التاسيس للمرحلة ما بعد الانتقالية عبر وضع تعديلات دستورية تضمن:
§ انتظام تداول السلطة و تشكيلها و ممارستها لصلاحياتها دونما تعطيل او شل ،
§ اعتماد قانون انتخاب وطني يقوم على مبدأ لبنان دائرة واحدة وانتخاب مجلس النواب خارج القيد الطائفي و مجلس شيوخ على أساس طائفي.
§ انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب بعد التأهيل القضائي والنيابي.
§ الانتقال من النظام الطائفي القائم على فيدرالية واقعية الى نظام وطني ديمقراطي
§ استقلالية القضاء تعيينا و تشكيلا و تحقيقا و ملاحقة و حكما .
§ مراجعة النظام الاقتصادي للانتقال به من نظام ريعي قائم على الخدمات والاحتكار الى نظام انتاجي قائم على استثمار الطاقات و الخبرات و الثروات الوطنية للصالح العام مع حفظ حقوق المواطن .
§ اصلاح النظام المصرفي بحيث يصبح عصريا شفافا موثوق به يضمن للناس أموالهم و يمنع تكرار احداق الخطر بها.
إدارة الموقع ليست مسؤولة عن محتوى التعليقات الواردة و لا تعبر عن وجهة نظرها
لا يوجد تعليقات حالياً