ولت أيام طبق السلطة في أوروبا .. التكلفة أصبحت غير محتملة


 آندي بوندز من بروكسل وجوديث إيفانز وإيميكو تيرازونو من لندن وسارا وايت من باريس

ظلت عائلة توني مونتالبانو تزرع الخضراوات في جنوب شرقي إنكلترا لعقود من الزمن، دون انقطاع بسبب حالات الركود، أو الصدمات الاقتصادية، أو نوبات التضخم المرتفع. لكن هذا العام، أجبره ارتفاع تكلفة تدفئة بيوته المحمية نتيجة لأزمة الطاقة المتصاعدة التي سببتها الحرب الروسية - الأوكرانية، على التفكير في التخلي عن زراعة محصول الخيار المعتاد.

قال مونتالبانو "40 عاما" عن فواتير الطاقة الخاصة به "لقد خرجت الأسعار عن نطاق السيطرة، إنها مرتفعة بشكل يبعث على السخرية"، وأوضح أن إنتاج مزرعته هذا العام في مقاطعة إسيكس سيكون نصف حجمه الطبيعي بسبب القرارات التي اتخذها لتخفيض التكاليف، وقال "ارتفعت أسعار الغاز للتو وهذا شيء لم أهيئ نفسي له".
في جميع أنحاء أوروبا، يعمل المزارعون وشركات الأغذية على تخفيض الإنتاج في الوقت الذي يكافحون فيه لمواجهة تكاليف الطاقة المرتفعة. قال مونتالبانو "إن فاتورة الطاقة الخاصة به بلغت نحو خمسة أضعاف ما كانت عليه في هذا الوقت من العام الماضي". وأثار احتمال حدوث نقص موسمي في الغذاء تحذيرات من القطاع الزراعي ودعوات محمومة للحصول على دعم حكومي، في وقت قطع فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تدفقات الغاز، ردا على العقوبات الغربية.
تعد المحاصيل التي تتطلب تدفئة مكثفة في المناخات الباردة، مثل الخيار، والطماطم والخس، الأكثر تضررا بشكل مباشر. لكن أزمة الطاقة تؤثر في سلسلة الإمدادات الغذائية الأوروبية على نطاق أوسع، إذ يكافح الخبازون، ومزارعو الألبان وغيرهم من المنتجين، بمن فيهم مزارعو بنجر السكر والزيتون، لدفع الفواتير، في وقت ترتفع فيه التكاليف بشكل سريع.

بيكا بيسونين، الأمينة العامة لاتحاد كوبا كوجيكا الذي يمثل مزارعي الاتحاد الأوروبي، قالت هذا الأسبوع "إن الآثار المدوية للفواتير المرتفعة كانت أشد من المتوقع"، فقد ارتفعت أسعار المدخلات مثل الأسمدة والأعلاف، في حين أدى ارتفاع تكاليف التبريد، والتدفئة، والنقل إلى إعاقة المزارعين عن الزراعة.
يناقش الاتحاد الأوروبي خططا لوضع حد أقصى لسعر الطاقة للشركات والأسر، لكنه يفرض أيضا تخفيضات في استخدامها، ما يمكن أن يضر بالمزارعين. وكشفت المملكة المتحدة عن خطة من شأنها دعم الشركات، لكن لمدة ستة أشهر فقط.
مع ذلك، الأوان قد فات بالفعل بالنسبة إلى كثيرين. قال جيمي روسو، المالك المشارك لشركة فالي جرون سالاد في المملكة المتحدة "أظن أن نسبة 75 إلى 80 في المائة من مزارعي منتجات السلطة في المملكة المتحدة لن يزرعوا في العام المقبل (...) لأنه لا معنى لذلك من الناحية الاقتصادية. من العدل القول إنه تم التخلي عن قطاع السلطة".
أدى الطقس الحار هذا الصيف إلى تفاقم المشكلة، ما جعل روسو غير قادر على زراعة معظم محصوله المعتاد. لكن سعر الغاز الطبيعي الذي كلفه في العام الماضي 50 بنسا للثيرم "وحدة حرارية" يكلفه الآن 3.75 جنيه استرليني، وقد قدم له سعر خمسة جنيهات استرلينيه للثيرم في الشتاء. قال "لا يمكنك بيع خيارة بـ2.50 جنيه استرليني".
في هولندا التي تمثل نحو خمس صادرات العالم من الطماطم، يحل الظلام على كثير من البيوت المحمية. قال ألكسندر فورسما، إخصائي الطاقة في شركة جلاستوينباو نيدرلاند، "إن الشركات التي تستخدم الإضاءة عادة للمساعدة على زراعة الطماطم لن تفعل ذلك على الأرجح في الشتاء المقبل بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء".
شركة ألفريد بيدرسن آند سون، أكبر موردة للطماطم في السويد والدنمارك، التي تدير 350 ألف متر مربع من الدفيئات الزراعية، أعلنت أنها ستطفئ الأنوار أيضا هذا الشتاء. وتزود الشركة محال السوبر ماركت بـ20 ألف طن من الطماطم سنويا، يتم إنتاج ربعها تقريبا في فصل الشتاء.

توربين رول، رئيس العمليات في الشركة، ذكر أن تكاليف الطاقة ارتفعت عشرة أضعاف مقارنة بالعام الماضي، وقال "سيتم فقدان كمية كبيرة من الطماطم من سلسلة التوريد في شمالي أوروبا"، مضيفا أن "المزارعين في المناخات الأكثر دفئا، مثل إسبانيا والمغرب، قد لا يتمكنون من سد الفجوة".

اضطر بعض مزارعي بنجر السكر الفرنسيين إلى تقديم فترة حصادهم بسبب مخاوف من نقص محتمل في الغاز في فصل الشتاء. قالت شركة تيريوس، أكبر منتجة للسكر في فرنسا، "إنها ستتحرك مبكرا لبدء العملية التي تستهلك قدرا كبيرا من الطاقة لتحويل البنجر إلى سكر".

قال تيموثي ماسون، الخبير الاقتصادي في اتحاد منتجي البنجر الفرنسي "كانت هناك مخاوف بين المجموعات الصناعية من أنه إذا كان هناك نقص في الغاز، فمن الممكن أن يتم قطعه".

وبينما يؤثر ارتفاع أسعار الطاقة بشكل مباشر في استخدام الدفيئات الزراعية الساخنة في المناخات الباردة، يتضرر المزارعون في المناخات الأكثر دفئا من ارتفاع تكاليف المدخلات والطقس القاسي.

في إيطاليا، حيث كان المزارعون يعانون بالفعل جفافا خلال الصيف، يعمل نحو ثلث المزارعين في البلاد بخسارة، وفقا لبحث أجراه اتحاد الزراعة الإيطالي، كولديرتي، بواسطة شركة تحليل البيانات، سنترو ستودي ديفولجا.

فيليبو دي ميكولس أنجيليني، عضو في شركة كولديريتي، الذي يزرع الحبوب والخضراوات، بما في ذلك الزيتون، في مزرعته في منطقة بوليا الجنوبية، قال "إن فاتورة الطاقة الشهرية تضاعفت ثلاث مرات تقريبا مقارنة بالعام الماضي، في حين ارتفعت أسعار الأسمدة أربعة أضعاف"، وتابع "سنقوم بعصر الزيتون بالتأكيد، لكننا خائفون للغاية من التكاليف".

بعض المزارعين اختاروا بيع الكهرباء التي وافقوا على شرائها بسعر ثابت، بدلا من استخدامها في الزراعة. قال أحدهم "أعرف مزارعين لديهم عقد بسعر محدد لمدة عامين (...) توصلوا إلى أن من غير المنطقي استخدامها بدلا من بيعها، لذلك باعوها لشخص آخر. إنه قرار تجاري".

 

بالعودة إلى جنوب شرقي إنكلترا، قال مونتالبانو "إن بعض زملائه من المزارعين الذين اقتربوا من سن التقاعد آثروا الانسحاب، في حين إن أولئك الذين يمتلكون الأراضي يستفيدون". لكن بصفته مستأجرا أصغر سنا، أشار إلى أنه لم يكن لديه إلا خيارات قليلة عدا عن النظر إلى المحاصيل الأقل استهلاكا للطاقة، مثل الفلفل.
وقال "إذا لم أزرع المحاصيل، فكيف لي أن أسدد فواتيري؟ إنني أواصل العمل عن طريق استخدام مدخراتي، ما يعني أنني أعود إلى الوراء. إذن، ما العمل؟".

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=28691