تأملات .. بقلم محارب قديم في الجيش العربي السوري


تأملات .. بقلم محارب قديم في الجيش العربي السوري

ديوجين ، الفيلسوف الإغريقي ، كان يمشي في وضح النهار حاملا فانوسا مضاء فيه زيت ذو فتيل مشتعل والناس حوله يضحكون منه و يسألون : لماذا الفانوس في وضح النهار ؟ فيجيب : أبحث عن الحقيقة . و جلجامش في الملحمة البابلية أمضى عمره يبحث عنها بصحبة تابعه المخلص أنكيدو . و كذا فعل تموز الكنعاني و ايزيريس الفرعوني . جميعهم لم يصلوا إليها ولم يدركوها . سيرا على الاقدام مشيا هوينا ١٥ دقيقة وأصل إلى الحديقة المجاورة للمنزل ( مدينة أوديسا على البحر الأسود – أوكرانيا ) في صباحات باكرة بغض النظر عن الطقس والأحوال الجوية . تعودت أن أفعل ذلك مرتين أو ثلاث في الأسبوع وأصبح الأمر عندي طقس من الطقوس المقدسة التي أحافظ عليها . حديقة شاسعة كبيرة المساحة ، هي في الحقيقة غابة من الأشجار الباسقة المتلاصقة العالية ( تسمى حديقة النصر ) ذات طبيعة جميلة خلابة يتخللها طرقات مستقيمة و متعرجة مرصوفة بعناية ببلاط متعدد الألوان ويتناثر فيها مسطحات خضراء مليئة بالأزهار والورود بألوان لا تحصى على شكل رسوم هندسية مختلفة ، وعلى طول الطرقات تتوزع بكثرة مقاعد الحدائق الخشبية الطويلة وبجانب كل منها سلة مهملات . ينتهي أحدهم من تدخين سيجارته ، يظل حاملا عقبها حتى يصل إلى أقرب سلة ويرميه بداخلها . يتوسط الحديقة بحيرة كبيرة تضاء ليلا مع نوافيرها ، وفيها يسبح بط و وز و بجع أبيض وسلاحف كثيرة و يملأ فضاء المكان الحمام و طيور النورس . الناس هنا زرافات واحاد تتنزه بسلام و هدؤ مع الأطفال الذين يملأ المكان هنا صراخهم و ضحكهم البريء ، كام تشاهد الكثيرين من ممارسي رياضة الدراجات الهوائية وآخرون ينسابون مثل النسيم على زلاقات ذات عجلتين بدون مقود كهربائية ذاتية الحركة . ما أحد هنا ينسى أن يحضر معه فتافيت الخبز لاطعام سكان الحديقة في البحيرة او من يحوم حولها في السماء . تتوزع في أماكن متفرقة ساحات لألعاب الأطفال من جميع ما يخطر على بالك ذات ألوان زاهية وساحات أخرى لممارسة كرة القدم او السلة إلى جانب مختلف الأجهزة الرياضية كالتي نراها في الأندية الرياضية و كلها مجانية ومتاحة للجميع وانا منهم أتدرب زمنا طويلا عليها في كل زيارة إلى هنا . في المدينة كثير من الحدائق مثلها ، بالحقيقة ما حولك هو غابة خضراء مزروع فيها مدينة اسمها أوديسا . الجميع هنا يحترم الطبيعة ، يحافظ عليها ولايؤذيها.

بعد ممارسة التمارين التي تعودت عليها أفترش العشب الأخضر الندي بفعل الأمطار ، التي حتى في الصيف لا تنقطع ، وأسند ظهري إلى جذع شجرة يغمرني راءحة الأرض بعد المطر والتي لا يعادلها أي عبق او أريج لأي عطر في العالم . لون أخضرار أوراق الشجر والعشب دايما هنا زاهي بهي نظيف يلمع بفعل اغتساله المتكرر بالمطر . أبسط كفي على فخذي وفيه حبات من بزر دوار الشمس وانتظر بهدؤ وسكينة وصمت وانا أراقب واسمع كيف ينزل من أعلى الشجرة على الجذع مستعينا بمخالبه ورأسه إلى أسفل سنجاب صغير جميل أشقر اللون . ينظر كل منا إلى الآخر بهدوء وترقب . يطمئن هو ، يمشي من على كتفي إلى ذراعي حتى يصل ويتربع على كفي ويبدأ بتلقف حبات البزر . يلتفت بين الحين والأخرى الي ثم يتجاهلني ويستمر بتناول طعامه . لحظات وينضم إليه عصفور دوري يشاركه ما قسمه الله لهم . عصفور الدوري في بلادنا نقوزي ، يشاهد الإنسان على بعد عشرات الأمتار فيفر منه لأنه يعلم أنه مؤذي ، أما هنا فهو يعلم انك لن تؤذيه وانك في انتظاره تحمل الخير له . ينتهيا من طعامهما ويعود السنجاب إدراجه عبر ساعدي وكتفي متسلقا الشجرة إلى أعلى وبين الفينة والأخرى ينظر الي عدة مرات ثم يختفي قافزا من شجرة إلى أخرى . بينما الدوري يرفرف بجناحيه مبتعدا ، وتبقى أنت وحيدا . تغلق عينيك على صورة الطبيعة وانت تسمع صوت الصمت في حديثها معك وتشعر كيف تنسكب السكينة والهدوء في روحك حد الوصول إلى حالة النرفانا والتوحد مع الطبيعة الأم يقودك إلى ذلك عقلك وقلبك بعد أن أنصهر كل منها في الآخر في تناغم وانسجام وسلام . تسبح بك الأفكار وتشطح بغير إرادتك في عالم فلسفة الوجود والكون ومعنى صيرورة الحياة والبداية والنهاية والمصير الذي ستؤول إليه في عالم الأبدية بعد رحلتك القصيرة كحلم وومضة حسب مقياس الزمن في الكون اللامتناهي في حياة أرضية فانية بكل ما فيها من خير وشر سعادة وشقاء وكدح وسعي متواصل وألم وأمل ، نجاح وفشل ، ايمان غيبي وشك ، وقد أتيت إليها بغير إرادتك وسوف تغادرها بغير إرادتك . تتنازعك وتتصارع في داخلك سببية وجودك و خوفك من مجهول مصيرك ونجاحك وفشلك في اجتياز الطريق بينهما في محاولة لا جدوى منها ولا نتيجة لها ولاجواب في البحث عن الحقيقة.
تتوالى في ذهنك آيات من الكتاب غير مترابطة في سورة واحدة لعل تجد فيها الجواب بما يسمح به فهمك وعقلك البشري المحدود . أول ما يخطر على البال : أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لا ترجعون ….. ، الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض….. ، أفلا ينظرون ، أفلا يؤثرون، أفلا يعقلون ؛؛ وجميعها تدعوك وتأمرك وتحثك أن تفكر وتنظر و تبصر وتعقل ، لعلك ترشد . إلى أن أصل إلى قوله تعالى : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين . وهذا يقودني إلى الجنة والجحيم ، ويبدأ عقلي في الانفلات من عقاله في محاولة فهمهما والتصور المادي لهما في مفاضلة بينهما من حيث الحس الوجودي بمقياس الأبعاد والحجم والمساحة لكل منهما وأيهما أكبر من الآخر ، الجنة التي ستؤوي أعداد المؤمنين الأخيار أم جهنم مصير الكافرين الأشرار . ومقياس المفاضلة بينهما قوله عز وجل : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين . نحن في عالم اليوم ٩ مليار نسمة منهم ٢ مليار مسلم و ٧ يأتون في الآخرة بدين غير الإسلام لن يقبل منهم . وحتى أل ٢ مليار مسلم ليس جميعهم من المؤمنين حق الإيمان الأخيار وممن عملوا صالحا . جدلا من كانوا كذلك مليار أو أكثر والباقي من الذين ضل سعيهم و حبطت أعمالهم و كانت هباء منثورا ( هذه النسب يمكن إسقاطها على مر العصور ) ، و تصديقا لقوله تعالى : …. غير الإسلام دينا لن يتقبل منهم ؛ فإن ٧ مليار وأكثر من أل ٩ اليوم مصيرهم جهنم و ٢ مليار إلى الجنة . النسبة ٧٨ % إلى جهنم التي أعدت لاستيعابهم و ٢٢% إلى جنة تسعهم . معنى النتيجة وهذا التفكير السفسطاءي البيزنطي أن جهنم أكبر بالتصور المادي مرات عديدة عن الجنة . لكن الجنة عرضها السموات والأرض : فأين تتواجد جهنم . هنا ينفجر رأسي و يصيبني اضطراب و عياء وأدرك اني ذهبت بعيدا في الخيال فأذكر قول أخي أبو عبد الله ( ليت لي إيمانه و تسليمه ) : والله لو كانت الجنة متر واحد مربع فقط لرجوت أن أكون من ساكنيها ، ولو كانت جهنم كيلو متر مربع لرجوت و دعوت الله أن أنجو منها . هذا هو الإيمان والتسليم و ما الإسلام إللا تسليم واستسلام لارادة الله و بقضاءه و قدره . تهدأ روحي ونفسي وعقلي وأطرد من ذاكرتي كل الصراع الذي سبق في البحث عن الحقيقة ، فما هي إللا صخرة سيزيف . وما أكاد التقط أنفاسي حتى أذكر قول الله تعالى : أنا خلقناكم من ذكر وأنثى جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا . ومن أجل لتعارفوا وان اتعرف ولو قليلا عليهم ألجأ إلى ناشيونال جيوغرافي لأفهم التنوع المدهش الاثني والعرقي والفارق الكبير في ذلك بين أهل الأرض في القارات التي يتواجدون فيها.


سكان استراليا الأصليين قبل وصول الغزو الأوروبي لون بشرتهم يميل إلى البرونزي الباهت ولهم ملامح وتقاطيع وجه خاصة بهم ، بينما سكان الصين واليابان والتيبت وأرخبيل الهند الصينية ( لاوس ، فيتنام ، كمبوديا ) وكوريا بشرتهم ماءلة إلى الأصفر ويتميزون بالعيون الصغيرة المشقوقة الضيقة . سكان سيبيريا وحدهم حكاية لا يشبههم عرق آخر ، الأوروبيون بيض شقر زرق العيون . تقف طويلا وانت تنظر إلى الأفارقة ذوي البشرة السوداء القاتمة مثل سواد الليل . ثم تنظر إلى القباءل البداءية الأصلية أصحاب القرأة الأمريكية من هنود حمر في شمالها والانكا و الأزتيك و المايا في جنوبها وفي أعماق غابات الأمازون ( لا يكاد يمضي وقت قصير إللا ويتم فيه اكتشاف قبيلة صغيرة تعيش حياة بداءية بعيدة عن أي مفهوم يخطر على بالك لمعنى الحضارة الحديثة ولهم لغة هي والهمهمه واحد ، يعيشون في محيط ضيق مغلق ولا يعلمون حتى بوجود غيرهم من جنس البشر ) ، وكذا الأمر في أعالي جبال الانديز في تشيلي أقصى جنوب القارة . لا شك أن كل أثنية وعرق ومجموعة من هؤلاء تجمعهم جينات و صبغيات خلقية واحدة فريدة تحكم شكلهم في قانون ثابت من جيل إلى جيل و تميزهم عن غيرهم وتحافظ على خصوصيتهم الأثنية والعرقية في قارتهم و أرضهم . تسأل : هل كان لسكان هذه القارات كل على حدى ( قبائل وشعوب ) في حدودهم الجغرافية آدم و حواء خاص بهم يحملون هذه الجينات والصبغيات التي صبغوا بها سلالاتهم بشكل حصري . أم أن شيت وحام و سام و يافث أبناء نوح الطوفان ، آباء وأصل البشرية بعد الطوفان ، كانوا على هذا الاختلاف في الجينات والصبغيات و لون البشرة وهم أولاد أب واحد ، نوح . وجدلا كانوا كذلك ، كيف وصل ( وكل منهم حسب المرويات هو أصل عرق بشري ) أحدهم في ذاك الزمان إلى أستراليا أو سيبيريا او أفريقيا أو القارة الأمريكية بعد انحسار الطوفان ومغادرتهم الفلك المشحون ومن ثم بدأو في التناسل . كل هذا ، ناهيك عن الاختلاف والفارق الشاسع في العادات والتقاليد والتفكير والمعتقد الديني والروحي ونمط العيش وأسلوب الحياة . أنظر إلى هذه السيدة ( الصورة – أفريقيا ) طويلا ، طويلا جدا بتأمل و تفكير مشوش محاولا فهم قومها من خلالها وبناء تصور لما تمثله جاهدا في الوصول إلى عقلها والحكم على المخزون والمستوى العقلي والفكري والثقافي والمعرفي والروحي ومستوى القدرة على استيعاب الحياة ومعنى الوجود ككل والمعتقد الروحاني ومفهوم الدين والخلق لديها ، هي جزء فرد من مجموعة وعرق وشعب لا يختلف عنها في نمط العيش ، لاشك أن لديهم سببية إيمانية قوية في اعتناق هذا الأسلوب الحياتي . ربما ، وأكاد أجزم ، أن هذه السيدة هي ملكة جمال في قومها حسب معاييرهم . آدم ، حواء ، نوح ، ابراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد ؛ هل سمعت بهم ، هل تعرفهم وتعرف ما يمثلون ؟! أشك في ذلك وأجزم أن لا . هل سمعت عن الله ، هل عرفته ؟! وما هو حكم الحكم الحكيم العادل فيها عند لقاءه ، وهي ستأتيه على ما هي عليه من فطرة نشأت عليها ولا يد لها فيها ، ولن يكون معها في اليوم الآخر لا اسلام دينا ولا دين آخر غير الإسلام لا يتقبل منها . لعل القرية التي هي فيها لم يأتيها من الله نذير ؛؛: و ( لو ) شءنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ، قال الله . لو شءنا ، أي أنه لم يشأ ولم يكن في هذه القرية من نذير . كما في قوله : لو شاء ربك لامن من في الأرض كلهم جميعا . نكاد نكون في منتصف القرن الواحد والعشرين وهي ( السيدة ) على هذه الشاكلة ، عقلها يتناسب مع أدوات زينتها لا يتجاوز ذلك . أدعوكم لمشاهدة هذه الأقوام والشعوب ورؤية نمط وفلسفة حياتهم و رقصاتهم الوثنية المختلطة شبه عراة وصلواتهم للطوطم ، لا يختلفون كثيرا في ذلك عن باق الأعراق البداءية في القارات الأخرى . شعوب وقبائل لتعارفوا ….. فتعارفوا ، أضمن لكم الدهشة و … و الاستسلام

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=752