يا بؤساء الوطن اتحدوا.. لاصوت فوق صوت المعركة .. بقلم نارام سرجون


يا بؤساء الوطن اتحدوا.. لاصوت فوق صوت المعركة .. بقلم نارام سرجون

علي أن أعترف انني في حيرة شديدة من قضية في منتهى الحساسية .. ألا وهي حرية التعبير عن المعاناة في زمن الحصار وزمن الحرب .. هل نتجاهل صرخات الناس أم نحترم شعاراتنا وايديولوجياتنا ونعيش في أبراجنا العاجية؟ .. اذا لم نعكس آلام الناس فمن سيفعل ..؟؟ ولكن لحظة .. هذا التجاذب بين الواجبين وهذا التوازن الدقيق المطلوب بينهما مؤلم ومحير..


الا انني لم أعد حائرا فقد تخلصت من حيرتي .. ودعوني هنا أتذكر معكم أننا مررنا بمرحلة كنا نسمع فيها سخرية من شعار لاصوت يعلو فوق صوت المعركة .. وتفنن الحاقدون والاعلام العربي في تناول هذا الشعار بالهزء والسخرية حتى أن أكثر الناس تفهما للشعار صار محرجا من اطلاقه او التذكير به .. وانتشرت في مصر بعد كامب ديفيد وربما قبلها موجة من تحقير هذا الشعار لاستئصاله بالهزء منه .. ولومه على كل مصائب مصر وحكايات صلاح نصر وصفوت الشريف .. وانتقلت العدوى الى الجماهير العربية تدريجيا .. وصارت اي محاولة لتذكير الناس بأهمية المعركة سببا في اغضابهم واصرارهم على ان هذا الشعار الاجوف ما هو غطاء حجب الرؤية وأخفى الحقيقة عن الناس ومنعه من ممارسة حريتهم وكان ذريعة للفساد والفاسدين للعبث بحقوق الناس فيما عيون الناس وآذانهم مغطاة بأصوات المعركة وأفواههم مكممة بشعاراتها..


شعار لاصوت يعلو فوق صوت المعركة هو شعار يجب أن يكون شعار المنطقة كلها .. وشعار الجيل وراء الجيل .. حتى تنتهي المعركة المتواصلة منذ قرن كامل .. لأن الحقيقة هي ان كل مايحدث لدينا هو بسبب هذه المعركة التي سخر منها الساخرون واستهانوا بها وقللوا من شأنها ونسبوا اليها كل الأخطاء .. فبسبب هذه المعركة الطويلة التي بدأت منذ قرن مع المشروع الصهيوني فاننا خسرنا فلسطين .. وخسرنا عدة حروب والمزيد من الاراضي العربية بعدها .. ثم واجتاحت اسرائيل لبنان .. وبسبب هذه المعركة أيضا تم دفعنا الى حرب الخليج الاولى بين العراق وايران والتي كانت في حقيقتها بين العرب وايران لأن العرب تم دفعهم من قبل الصهاينة للقتال نيابة عن اسرائيل لمعاقبة ايران على قرارها بالخروج من الحلف الامريكي الاسرائيلي ودخولها الحلف العربي الفلسطيني .. وبعدها خسرنا العراق .. وخسرنا مرحلة الكفاح الفلسطيني الذي تم احتواؤه في أوسلو لأن ذريعة الموقعين كانت أن صوت المعركة طال وأن الشعب الفلسطيني تعب من صوت المعركة ومن حقه أن ينعم بصوت السلام .. ثم وصلنا الى الربيع العربي الذي دمر ليبيا واليمن وسورية .. وفي المعارك الهامشية تم بتر السودان وترحيله الى المعسكر الاسرائيلي .. وتم القاء القبض على مياه النيل لتقييد حركة مصر الى ان يتم القضاء عليها في مشروع قادم .. وأخيرا اعلن عن احتلال دول الخليج رسميا عبر معاهدات سلام ستتولى اسرائيل فيها الاشراف على دول الخليج وعصرها وابتزازها وتسخير مواردها لتمويل حروب اسرائيل ضد العرب .. وكل ماسبق هو معارك متلاحقة ضمن المعركة الواحدة الكبيرة مع المشروع الصهيوني الضخم الجشع الذي لايشبع بلعومه الواسع..

هذه هي المعركة التي لايليق بها الا شعار واحد كنا نسخر منه فيما مضى وهو .. لاصوت يعلو فوق صوت المعركة .. وهو الدواء لمرضنا وآلامنا في هذا الشرق..


الانتقادات التي تعرض لها هذا الشعار كانت مبنية على ان هذا الشعار سرق حرياتنا .. وسرق الديمقراطية لأن الحكومات والانظمة العربية اتكأت عليه واستعملته لاسكات منتقديها ومعارضيها .. وعملت على الكيد للحركات الوطنية تحت سقف هذا الشعار الذي كان مثل السوط والساطور الذي يهدد به كل من يريد تغييرا او حرية او حياة مدنية او رفاهية اقتصادية..
وفي هذا شيء من الحقيقة ولكن ماخفي هو الحقيقة .. وهو أن اسقاط هذا الشعار كان لاحلال شعارات محله .. في نهايتها تقول لاصوت يعلو فوق صوت امريكا .. وفيها بالضبط شعار النأي بالنفس .. وأنا ومن بعدي الطوفان .. فالشعارات ليست مجرد كلمات عابرة وانفعالية .. بل هي مكثفات فلسفية ووجودية .. واذا مات شعار فانما بسبب موت فلسفة او كيان..


وأتذكر هنا أن عملية اسقاط شعارات الامم والجماهير العربية كانت تتم على قدم وساق .. فالمشروع القومي العربي تعرضت مقولاته لحملة تسخيف وسخرية استفادت من الهزائم التي لحقت به .. وكان السادات هو أول من أشاع هذا المزاج من السخرية عندما جعل يسخر من الشعارات الفارغة للقومية والعروبة وكانت دول الخليج في سرها تساعده في اشاعة السخرية من القومجيين العرب بعد ان انتهت مهمة القوميين العرب في حرب ايران والعراق .. فخلال الحرب العراقية الايرانية كان الخلايجة قوميين اكثر من حزب البعث نفسه ووتصرفوا وقالوا كلاما لم يقله ميشيل عفلق في القومية وصار يهمهم انتصار الروح العربية والعروبية على المجوس الصفويين في معركة العراق التي سميت قادسية صدام .. وبعد الحرب مباشرة انقلبوا بشراسة ضد العروبة وسخروا من القومجيين المجانين الذين قادوا العرب الى الكوارث بما فيها قادسية صدام المجنونة التي طبلوا لها وزمروا ثماني سنوات..


في الحرب على سورية تم الهجوم بشراسة وضراوة على الشعارات السورية ولم نكن نجرؤ عام 2011 على ترديد شعار لاصوت يعلو فوق صوت المعركة .. لأن أصوات الحناجر المبحوحة من أجل الحرية لم تكن ترى شيئا أهم من أظافر أطفال درعا .. وكرامة الانسان السوري التي أهانها قانون الطوارئ وغياب الانتخابات الحرة .. وكأن تحرير فلسطين توقف بسبب شعاراتنا ولأن قانون الطوارئ هو مامنع التحرير .. فمن ذا الذي كان يجرؤ ان يقول للجماهير الهائجة ان هناك معركة أهم وهي معركة الصراع مع عدو يعتبر نفسه مالكا لارضنا واننا نحتل أرض أجداده وسيطردنا كالضيوف الدخلاء الثقلاء واللصوص .. ؟؟ من ذا الذي كان يجرؤ على ان يقول للثوار السوريين ان أصواتكم تافهة أمام صوت معركة أهم وأخطر؟؟ وان شعاراتكم تافهة أمام شعارات الاسرائيليين التي تهددنا في وجودنا؟؟ كيف ستقول لاشخاص يرسم لهم علي فرزات أصابعه المكسورة على انها صارت هي القضية .. وهي المعركة .. وأن قضيب حمزة الخطيب صار هو القضية والمعركة .. وان هلوسات صادق جلال العظم والسخيف جمال سليمان هي القضية والمعركة ؟؟ من ذا الذي كان منهم سيفهم ان لاصوت يجب ان يعلو على صوت المعركة؟؟ كان هذا الشعار هو الكفر بعينه في نظر الثورجيين..

اليوم استؤنف الهجوم علي شعار لاصوت يعلو فوق صوت المعركة من جديد رغم ان المعركة صارت بيننا وفي بيوتنا وعلى موائدنا وأطباقنا .. وهي نفس المعركة التي بدأت في فلسطين من قرن ووصلت الى مدننا وقرانا ومزارعنا وبيادرنا في الشرق .. هي ذاتها ويجب ان يبقى لها ذات الشعار .. ولكن هناك اصرار على اسقاط الشعار بقانون قيصر .. فهناك معاناة وجوع وصعوبات اقتصادية .. وهذا سبب كاف لتراجع أولوية المعركة الرئيسية ولتحييد كل شيء أمام الوجع الشخصي ووجع العائلات..
وهنا نلاحظ تكاثر الصفحات النادبة التي ترش الملح فوق الجرح .. مئات الصفحات في السوشيال ميديا تنفخ فينا الغضب وتركز على الفساد وتركز بشدة على الفشل الحكومي وعلى ان الدولة وموظفيها الكبار لايكترثون بهموم الناس .. رغم ان اي نظام في العالم يهمه ألا تكون لديه مشاكل اقتصادية .. لأن كل الأنظمة السياسية في العالم تدرك ان أهم شيء لتحييد الفوضى هو اشباع حاجات الناس .. وهذا مافعله الغرب فهو أشبع حاجات الناس بالسرقات الدولية من شعوب العالم وأعطى فتات السرقات لشعوبه التي سكتت وصارت لها همومها الخاصة..


أما في سورية فان الحصار والحرب اللتين لم يسبقهما في شراستهما اي حدث مشابه في التاريخ فان وجود أزمات خانقة يجب أن يكون متوقعا .. حيث الحدود محاصرة .. والبنوك محاصرة .. والسلة الغذائية السورية مصادرة في الشرق .. وحيث النافذة المصرفية اللبنانية تم اغلاقها بافلاس لبنان .. وتم اطباق الحصار من خلال احداث لبنان وميناء بيروت .. ثم قانون قيصر .. وبعد كل هذا يتوقع الناس ان الدولة تتصرف عمدا باهمال لافقار الناس وزيادة معاناتهم .. رغم ان من السذاجة أن نتوقع ان الحرب وتبعاتها لن توصل الى هذه المعاناة .. ومن السذاجة ألا نعتقد ان الفقر وقلة توفر السلع والأموال ستفضي الى شكل من اشكال الفساد .. فحتى في ثقافتنا الاسلامية نعلم الناس ان عمر بن الخطاب تفهم في عام الرمادة ان السرقات ستزداد فاوقف حدود قطع اليد .. لان الجوع أقوى من السيف وسيضطر الجائع الى السرقة وارتكاب المخالفات..


هناك اشاعة مقصودة ومتعمدة للأخطاء والمعاناة ولوم الدولة كلها والنظام السياسي على ذلك واتهامه انه يمكنه أن يوجد الحلول السحرية ولكنه لايبالي لأن طاقم الفاسدين هو الذي يدير البلاد .. وكما نشطت عملية تشويه الدولة في بداية الربيع العربي ووصفها بأبشع الأوصاف وتنفي ر الناس منها الى ان انشق الناس عن بعضهم ووقعوا في الحيرة والثورة .. نعود ال نفس التجربة .. فهناك تكاثر غريب لصفخات تنشر فقط الاوجاع والمعاناة وتستدرج كل الموالين الى انشاد تلك النغمة ان لاصوت يعول فوق صوت المعركة ضد الفساد وضد الفقر .. وأما المعركة الحقيقة مع الاميريكيين والاسرائيليين الذين تسببوا بالفقر والمعاناة والالم فهي مؤجلة وغير مهمة في زمن طوابير الخبز والوقود..


أعتذر لكل من يرى أنني طوباوي وانني مغرق في نرجسيتي الوطنية والنضالية .. ولكنني فعلا على يقين أن كل مصائبنا هي بسبب اننا استهترنا يوما بالمعركة وظننا ان هناك أصواتا يجب ان تعلو على صوت المعركة .. وهانحن ندفع ثمن غياب هذا الشعار أو تراجعه .. ولاحل لاسقاط الدولار والحصار والفقر الا باحياء شعارنا القديم واسقاط كل الشعارات التي تريد ان تلغي المعركة وتسمعنا صوت الأمعاء الجائعة والسيارات الجائعة للوقود..
هناك حرب عنيفة جدا وشرسة جدا .. ولكن اياكم ان تظنوا أن اسكات صوت المعركة سيطعمكم وسيقدم لكم الرفاه .. رفاهكم في انتصاركم .. لأن اسكات صوت المعركة سيسبب لكم جوعا أكثر وتشردا ووطنا ضائعا .. ان هي الا صيحة واحدة وسيتغير هذا العصر اليهودي .. وكي يتغير لن أرفع سوى شعار: لاصوت يعلو فوق صوت المعركة .. مهما ثرثر المثرثرون .. والفوضويون والكسالى والهزالى..

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=756