الاحتباس السياسي الأمريكي حول سورية وتلاشي الخطاب الانتخابي لبايدن .. بقلم حسام زيدان


الاحتباس السياسي الأمريكي حول سورية وتلاشي الخطاب الانتخابي لبايدن .. بقلم حسام زيدان

بعد انتهاء زوبعة الانتخابات الامريكية، يقف رئيسان على باب البيت الأبيض، ترامب الذي خسر وبايدن الذي استعاد زمام الأصوات ومضى يصارع للبقاء والفوز.

بالنتيجة ترامب سيرحل، لكنه ينتظر حتى انتهاء عهده الرئاسي، ليترك خلفه الولايات المتحدة الامريكية متخبطة وتائهة بين ولاياتها المنقسمة ودستورها المشظى، لنصل الى نتيجة ان الاحتباس السياسي الأمريكي يترك الإدارة الأمريكية الجديدة، تدخل في أزمات دول، بعد انقلاب رجلهم الأصفر ترامب على كل السياسيات الناظمة للعلاقات الدولية، وبدأ ذلك من عهد أوباما الذي أدخل الولايات المتحدة في الحرب السورية، حتى عهد ترامب، وثمة من يجزم بأن الكثير من القادة القادمين للإدارة الأمريكية الجديدة، سيكون له نفس وجه التحريض على شنّ الحروب، بالرغم من إفقاد واشنطن مخالبها تباعاً في منطقتنا، كما تفقد زخمها في أروقة البيت الأبيض.

في حسابات التغيير السياسي بالذات في الولايات المتحدة الأمريكية، من الصعب التعويل على تغيير الأشخاص، بالذات أن الإدارة الأميركية قبل بايدن ومعه، وبالتأكيد من بعده، لم ولن تخفف من حدة عدائيتها، كون المشكلة أصلا في السياسيات الأمريكية المحكومة بالدولة العميقة، والتي حولت الكرة الارضية من شمالها لجنوبها، إلى ساحات حرب ودمار، تتفنن في تبريد الجبهات وجعلها حرب باردة في مكان وتسخينها في مكان آخر، وبالطبع لا تتردد في استخدام أسوء ما يمكن أن يتخيله عقل البشر، من أسلحة ومرتزقة وأدوات، لتحقيق أطماعها، لذلك يبدو من الصعوبة بمكان التكهن بتفاصيل المشهد العام لمقاربة إدارة بايدن للمشهد السوري، وللوضع في الشمال الشرقي من البلاد تحديداً، فالخطاب الإنتخابي يتلاشى عملياً مع تتالي التطورات السياسية، وتقديرات الموقف الصادرة من البنتاغون والخارجية، وهو يتغير فعلياً بمجرد تسلم أي رئيس منتخب مهامه في المكتب البيضاوي، وهنا يجب أن نعلم أن ما تفرضه التموضعات المستجدة في العلاقات الدولية، والإستفادة منه داخل التجاذبات الحاصلة، والتي تعتمد على تطورات المشهد الإقليمي مع تصاعد مؤشرات الإفلاس الغربي في حربه الإرهابية التي تشن على سورية، وهنا يجب أن ندرس ماذا يريد بايدن من سوريا، بالذات ما ظهر في خطاب بايدن الإنتخابي الذي كان يحمل مؤشرين متعاكسين للفرص والمخاطر، بالنسبة للوضع السوري، فحديث أوساط بايدن عن عدم نيته سحب القوات العسكرية الأمريكية، أو "الإنسحاب المسؤول" كما أسماه البعض، يشير الى أن بايدن يريد استخدام هذه الورقة كعامل ضغط ومساومة وتدخل في الحل السياسي، الذي نص القرار الدولي ٢٢٥٤ وسواه من قرارات الشرعية الدولية، على أنه يجب أن يكون بقيادة وملكية سورية محض ودون تدخلات، كما أن مثل هذا الموقف لبايدن يفتح المجال أمام احتمالات توظيفه للحالة الانعزالية الموجودة في الشمال الشرقي كأداة للتقسيم، لا سيما أن بايدن ذاته هو صاحب رؤية تقسيم العراق، كل ذلك يأتي بالتوازي مع الخيبات الصادمة التي ترددت إقليمياً على شكل اهتزازات حاكت في صيغتها الأولى لب المعضلة، وهي العقل الذرائعي في الولايات المتحدة الامريكية، الذي يبحث عن تبرير العدوان من جهة ومن جهة أخرى الفشل الذي يلاحق مشاريع الغرب وبالذات المشاريع الأمريكية في منطقتنا.‏
بالطبع يجب فهم أهداف بايدن في سوريا، من خلال المشهد العام في المنطقة، وكيف تمر العلاقات بين الدول، والتوقف طويلا عند أسماء إدارة بايدن الجديدة، وبالذات ما يمكن اعتبارهم أركان الحرب الجدد القادمين إلى الكراسي الأولى داخل إدارة بايدن، والتي تدلل على أن حروب متعددة الأشكال تحضر، ما يجعل كل التحليلات تترجم في سياق مواجهة أوسع من حدود التأزم السياسي والدبلوماسي كون مؤشرات بايدن على الصعيد الإقليمي متناقضة وحمالة أوجه، فتراجعه المفترض عن سياسات ترامب شديدة العدوانية تجاه قضايا عدة، يؤكد الجميع أن ما يحمله تجاه الوضع في سورية يبقى في موضع شك، وهذا يأتي بالطبع ضمن استراتيجية أمريكية بشكل جديد، هي أبعد من حالة ملء الفراغات التي أحدثتها إدارة ترامب في المنطقة، بل تنفيذ صيغ أمريكية في حروب قادمة، وهذا يفسر إلى حد بعيد ما يسوق له بايدن، وهو خلط واضح بين الاستراتيجية والرؤى والسياسيات اللحظية، والتي تجعلنا نفهم ان ما يحيط في السياسة الامريكية في الحقبة القادمة، متخم بالأزمات، وبالذات فيما يخص سوريا، تأسيساً على واقع المؤشرات المتناقضة، وتأثير اللوبيات والدولة العميقة ومؤسسات صناعة القرار، واكبر مثال على ذلك ترويج
المبعوث الأمريكي إلى سوريا ان واشنطن ننوي فرض عقوبات على سوريا خلال الأسابيع المقبلة؛ ما يؤكد ان جل ما تقوم به الادارة الجديدة حتى هذه اللحظة، هو الابقاء على ما هو سائد في انتظار المناخ السياسي الاقليمي في منطقتنا، لانضاج المتغيرات، بالتزامن مع محاولة لاستدراك اخطاء ترامب، وهذا يستدعي ايضا استخدام ادوات جديدة ومهام معدلة للكثير من السياسات، لذا نستنتج بأن المواجهة تبدو مستمرة وإن بأدوات واستراتيجيات وتكتيكات جديدة، تستدعي بدورها أدوات تصدي جديدة أيضاً، مع التأكيد أن محور المقاومة يمتلك من المرونة في يد، والصلابة في اليد الأخرى، ما يؤهله للتأقلم مع مستجدات الإدارة الجديدة بما يغطي مروحة خياراتها المطروحة اعتباراً من أشدها براغماتية وانفتاحاً، وانتهاءً بأكثرها شدة حتى وإن لامست أو فاقت سياسات ترامب في تشنجها، وهو أمر ليس مرجحاً وفق المؤشرات الحالية، وبالمحصلة لن تبقى المنطقة طويلا في وجه العاصفة الامريكية، وهذا ما تثبته الانتصارات التي تحقق ميدانيا وعلى المستوى السياسي والاقتصادي، ما يوسع هامش افتراضات المواجهة مع الادراة الامريكية، وان كانت كل المؤشرات تدلل على التصعيد.

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=791