"صلح بكين" بين إيران والسعودية: زلزال استراتيجي متعدد التداعيات.. بقلم : امين محمد حطيط


"صلح بكين" بين إيران والسعودية: زلزال استراتيجي متعدد التداعيات.. بقلم : امين محمد حطيط

في وقت شغل فيه الإعلام الدولي بتناقل تسريبات صهيوأميركية بأنّ قراراً اتخذ لشنّ حرب على إيران تعالج التهديدات التي يشكلها ملفها النووي الذي فشلت حتى الآن المفاوضات في حلّ العقد الناشئة عن انسحاب أميركا منه، و”لوّح” التكتل الصهيوأميركي ان لا علاج للشأن إلا بعمل عسكري يُبعد خطر امتلاك إيران للسلاح النووي او يقضي على حلمها بأن تكون دولة نووية تنضمّ الى 9 دول سبقتها، في هذا الوقت الذي خصّصته أميركا لتحشيد القوى والحلفاء وتنظيم الجهازيات التي تفشل الردّ الدفاعي الإيراني الانتقامي المنتظر في حال العدوان، في هذه البيئة أذيع من بكين خبر “الصلح” او المصالحة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، خبر جاء كالصاعقة لا بل كالزلزال الذي هز شبكة العلاقات الدولية بشكل يكاد يكون مفاجئاً حتى لأقرب المقرّبين من الأطراف الثلاثة.


نعم لقد شكل “صلح بكين” زلزالاً استراتيجياً دولياً ستصيب تداعياته كامل منطقة غربي آسيا (بالمصطلح الإيراني) وكامل منطقة الشرق الأوسط (بالتحديد الغربي)، تداعيات قد تشمل أكثر من منطقة او محور في شبكة العلاقات الدولية، حدث عاكس الكثير من التوقعات والإعدادات في المنطقة والعالم حتى أنه حجب الى حدّ ما او جعل ـ ولفترة ما ـ في المرتبة الثانية من حيث الأهمية أخبار أوكرانيا وما تشهده على أراضيها من صراع بين الشرق والغرب، صراع يخوض فيه الحلف الأطلسي بقيادة أميركا حرباً بالوكالة ضدّ روسيا بقصد إنهاكها وتفتيتها وشطبها من الخريطة الاستراتيجية الدولية.


ونبدأ بمفاعيل هذا الصلح على العلاقات البينية للدولتين إيران والسعودية، فنجد انّ هذا الاتفاق تمّ بين المكونين الرئيسيين اللذين يشكلان النواة في المشروع الأميركي للصراعات في المنطقة، المشروع القائم وفقاً للتوصيف الأميركي، على أساس التناحر بين الهلالين الإسلاميين “الهلال الشيعي” ونواته إيران و”الهلال السني” ونواته السعودية الوهابية، والآن عندما يُعقد الصلح بين هذين المكوّنين فإنّ ذلك يعني فشل مشروع الصراع المذهبي الذي روّج له مدير المخابرات الأميركية السابق بقوله “علينا ان نصنع لهم إسلاماً يناسبنا ويقسمهم ويقتتلون حوله حتى يتآكلون ونذهب اليهم فنسيطر عليهم”، ولذا نجد من الأهمية بمكان تضمن اتفاق الصلح إرادة مشتركة لإحياء الاتفاقية الأمنية بين الدولتين بما يخدم أمنهما والأمن الإقليمي بشكل عام ويشكل الردّ المعاكس على مقولة الزور الأميركي “الربيع العربي” الذي يفجر الفتن والحروب في المنطقة.


اما الأمر الثاني فإنه يتصل بالمشروع الأميركي الآخر الذي أطلق تحت عنوان “اتفاقات ابراهام” ويهدف الى زرع “إسرائيل” في “الهلال السني” وتحوّله الى حلف عربي ـ صهيوني بقيادتها لمواجهة إيران ومحور المقاومة الذي تنتظم فيه، مواجهة تتمّ بالمال والدم والعربي وبقيادة صهيونية، أما بعد هذا الصلح فإنّ المشروع سيفشل فضلاً عن انّ “اتفاقات ابراهام” ذاتها التي تترنّح ولن تكون الظروف مؤاتية لبناء ذاك الحلف الإقليمي الذي يحتضن “إسرائيل” بل ستعود “إسرائيل” الى عزلتها.


ومن جهة أخرى فإنّ أميركا التي عملت لإقامة “شرق أوسط جديد” تجعله مستعمرة لها وتسيطر فيه على الثروات والمعابر المائية، ستجد في هذا الصلح صفعة قاسية لمشروعها الذي عبّرت عنه بوقاحة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية في العام 2006 عندما روّجت لـ “الفوضى الخلاقة” التي تتخذها معبراً لهذا “الشرق الأوسط الأميركي الجديد”، المقفل بوجه أيّ كان، لا يفتح بابه لأحد إلا بالمقدار الذي تسمح به أميركا، أما مع هذا الصلح فإنّ فشل المشروع يزداد حدة بعد فشل الحرب الكونية التي أضرمت نيرانها أميركا واستهدفت سورية ومحور المقاومة، وانّ دخول الصين الى المنطقة بصفتها راعية للمصالحة وعاملة للاستقرار والأمن والتنمية إنما هو أمر يناقض السعي والسياسة الأميركية القائمة على بث الفتن والاقتتال والتدمير، ما سيشكل مرحلة جديدة في المنطقة تعاكس المشاريع الأميركية. صلح يزيد من الخيبات والفشل الذي تلقاه ذاك المشروع الأميركي طيلة الأعوام الثلاثين الماضية إذ جاء نجاح الرعاية الصينية للصلح بين إيران والسعودية لينعى المشروع برمته وليؤكد الحضور الصيني الفاعل ويثبت انّ أميركا لن تكون سيدة غربي آسيا ولن تفلح في استعمار الشرق الأوسط مع تقدّم العملاق الصيني بهذا الشكل وتلك الفعالية. فالمنطقة فتحت أبوابها لدخول العملاق الصيني صديقاً ولتنسحب منها تسللاً أميركا خائبة خاسرة.


ونصل الى العلاقات في المنطقة وملفاتها الساخنة خاصة في اليمن وسورية ولبنان والعراق، ونسأل عن مدى تأثرها، ومع التأكيد المشدّد على انّ إيران لن تحلّ محلّ أحد في فرض الحلول، لكنها ستساعد من تقيم علاقات جيدة معهم لإيجاد الحلول لمشاكلهم دونما إملاء او فرض، كما نرجح أن تشهد المنطقة تفعيلاً وانفتاحاً لدول عربية أخرى على إيران تختفي معه أدبيات العداء لها لدى بعض العرب. أما الساحات الساخنة الأربع فأنها ستتأثر في حدود ما يلي:


أولاً اليمن: قادت السعودية بإملاء أميركي تحالفاً من دول عربية للسيطرة على اليمن باعتباره الحديقة الخلفية لها، ولكنها فشلت في تحقيق أهداف الحرب وأظهر اليمنيون الوطنيون شجاعة وبسالة في الدفاع عن أنفسهم ووطنهم يدعمهم في ذلك محور المقاومة وفيه إيران، فشل شكل عقدة للسعودية وألقت عليها عبئاً كبيراً جعلها تطلب في نهاية المطاف هدنة للبحث عن حلّ، والآن ومع هذا الصلح ستكون السعودية أكثر مرونة واستجابة للمطالب اليمنية حيث انها لن تخشى مع التراجع ان توسم بالمهزومة أمام إيران او اليمن، خاصة أنّ “صلح بكين” جاء بصيغة متوازنة لا غالب ولا مغلوب فيها. وعليه سيكون اليمن قريباً على موعد مع حوار جدي بين السعودية وأنصار الله حوار يشكل المدخل لحلّ وطني يمني.


ثانياً سورية: كانت السعودية أحد أهمّ الدول التي قادت الحرب الكونية على سورية، الحرب التي نفذت فيها السعودية في الفترة ما بين 2013 ـ 2014 ما سُمّي “استراتيجية بندر لإسقاط سورية” ولكن الأخيرة وبدعم من محور المقاومة وفي طليعته إيران تصدّت للعدوان عليها ونجحت في حفظ كيانها الذي حاولت دول الخليج وفي طليعتها السعودية وقطر المسّ به وتجاوزه عبر تجميد عضويتها في الجامعة العربية، والآن وصلت السعودية قبل الصلح ومعه الى قناعة بانّ العودة الى سورية والعمل مها للعودة الي الحياة الطبيعية أمر لا بدّ منه بعد فشل السياسة العدوانية، ولذلك نرتقب ان يشكل “صلح بكين” رافعة ومشجعاً للعودة السعودية الى سورية دون شروط، مترافقة مع التوقف عن المساهمة في الإضرار بسورية ولذلك لا نستبعد ان تفتح قريبا السفارة السعودية بابها في دمشق وتتوقف السعودية عن الإضرار بسورية وان توجه الدعوة للرئيس الأسد لحضور القمة العربية في السعودية في الأسابيع المقبلة،


ثالثاً لبنان: ساهمت السعودية في الحصار المفروض على لبنان انتقاماً من حزب الله الذي تصفه السعودية بالإرهاب وتزعم أنه ينفذ سياسات أمنية ومالية تضرّ بالسعودية خاصة لجهة الدعم اللامحدود لأنصار الله في اليمن في مواجهة القوات السعودية، وفي سياق السياسة الانتقامية من حزب الله تشترط السعودية إبعاد حزب الله عن أيّ موقع من مواقع السلطة تحت طائلة استمرار مساهمتها بالحصار الأميركي على لبنان لدفعه للانهيار، أما الآن وبعد الصلح الذي سيستتبع حلاً لمعضلة اليمن ستنتفي أسباب العداء والانتقام، ونتوقع ان تتراجع السعودية عن فرض الفيتو على خيارات حزب الله في لبنان الأمر الذي سيسهّل انْ حصل إعادة تشكيل السلطة في لبنان بدءاً بانتخاب رئيس الجمهورية ولن يشكل دعم حزب الله لأحد المرشحين مانعاً او عائقاً دون انتخابه اذا تمكّن من جمع 65 صوتاً مع نصاب الـ 86، يليه تسهيل تشكيل حكومة يشارك فيها حزب الله وفقاً لوزنه التمثيلي، فالسعودية بعد الصلح لن تملي على لبنان رئيساً ولن تفرض الفيتو ربطاً بعلاقة ما مع حزب الله. أما الحصار فيبقى قراراً أميركياً والحلّ السياسي بحاجة الى إرادة لبنانية.


رابعاً العراق: دفع العراق أثماناً باهظة جراء التدخل الأجنبي فيه في الوجهين الأمني والسياسي وانقلب بشكل او بآخر الى ميدان مواجهة غير مباشرة بين السعودية التي حاولت وضع اليد عليه في مواجهة إرادة الأكثرية الشعبية التي لم تستسغ التدخل السعودي وبين إيران التي طلب العراق مساعدتها للتمكن من صيانة أمن العراق واستقراره، وقد لعب العراق دوراً مهماً في تنظيم الاجتماعات التفاوضية منذ نيف وسنتين لأنه كان يعرف انّ صلحاً يبرم بينهما سيرتدّ إيجاباً عليه وهذا ما سيحصل الآن.
وفي الختام نقول انّ “صلح بكين” سيرتدّ خيراً على أطرافه وكامل المنطقة ويثبت انهيار مشاريع أميركية صهيونية عمل عليها لنيف وأربعة عقود، لذلك نقول بوجوب اليقظة والحذر حرصاً على الصلح لأنّ أميركا لن تستسلم وستحاول مع “إسرائيل” نقض هذا الصلح بأيّ شكل لإعادة إحياء مشاريعها في المنطقة.

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=915