عاجل
الحالة الاجتماعية في ظل الحرب على سورية ورؤية معالجتها .. الإعلامية مها جميل الباشا
مقدمة:
شهدت سورية على مدى السنوات السبع حرباً ضروساً جعلها تفقد أهم مكونات الحياة ألاّ وهو الوضع الأمني وتداعياته وهذا ما أسفر عن وضع اجتماعي ومعيشي متردي للمواطن السوري خاصة ما شهده الانفجار الكبير لسعر الدولار ، بالرغم من قرارات الحكومة التي تمنع التداول بالدولار إلاّ أن الحرب ساهمت إلى تغاضيها في أحيان كثيرة عن دورها الموكل إليها في هذا الصدد .. ليدفع المواطن الفاتورة الباهظة التي انعكست على جوانب عدة من حياته بدءا بالفقر انتهاء بالتشرد ..
أشهر قليلة ونختم العام السابع من بدء الحرب على سورية وما زال المجتمع يعاني من زخم الأسعار المرتفعة غذاء ودواء ومواصلات وتعليم التي لا تتناسب بأي شكل مع دخل الفرد ناهيك عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الكثير من الدول على الشعب السوري قبل الحكومة.
مع نهاية العشرية الأولى للقرن الحالي برزت تغيرات إيجابية ملموسة في المؤشرات التعليمية والصحية والخدمات الأساسية للمواد (غذاء وكهرباء ومياه ومصادر الطاقة غاز ومازوت) وخلافه ومدى توافرها في الأسواق ...
إذا تحدثنا عن الجانب التعليمي والصحي ما قبل الأزمة نجد أن البنية التعليمية أحدثت تغييرات متسارعة إذ تجلت بانخفاض نسبة الأمية مقابل ارتفاع نسبة الحاصلين على مؤهلات علمية (ثانوية وما فوق) وتقلصت الفجوة بين الإناث والذكور في كافة المراحل التعليمية وهذا يختلف من محافظة لأخرى.
أما القطاع الصحي شهد تقدماً ملحوظاً من خلال افتتاح عدد كبير من المستشفيات العامة والخاصة والمراكز الصحية بأجور رمزية ومن قبل وزارات مختلفة (الصحة، التعليم العالي، الدفاع، التربية، الشؤون الاجتماعية، الداخلية) إلى تطوير مصانع الدواء لتغطي احتياجات السوق السورية بنسبة 90% لدرجة بلغ عدد الدول المستوردة للدواء السوري 53 دولة في العالم..
في عام 2010 بدأ العمل على تجهيز وإنهاء 24 مشفى حسب المعطيات التي وضعت لها وتمّ وضع دراسات فنية وهندسية لإنشاء 14 مشفى إضافي ..
لكن بعد الأشهر الأولى من عام 2011 طرأت تغييرات كبيرة على القطاعين التعليمي والصحي إلحاقاً بالقطاعات الأخرى (طرق ومواصلات) من خلال استهداف الكثير من المنشآت مما أدى إلى خروجها عن الخدمة إما بسبب دمارها التام أو الأضرار التي حدثت لها أو بسبب صعوبة أو استحالة الوصول لهذه المنشآت وهذا ما وثقته تقارير الأمم المتحدة.
ما قبل عام 2011 ليس كما بعد 2011 إذ ما قلنا ان الحرب على سورية لعبت دوراً سلبياً أثر على المجتمع السوري بعدة جوانب منها النفسية والاجتماعية والاقتصادية, حيث انتشرت ثقافة العنف والسلاح بدلاً من ثقافة المحبة والتسامح وبرزت سلوكيات غير مألوفة (خطف وقتل واغتصاب) لم نعتد عليها في مجتمعنا, مما شكل هزة عنيفة في بنية المجتمع ربما لن يزول أثرها قبل عقدين وأكثر, إضافةً إلى ما تمخض عن اضطرار الآلاف من العائلات والأفراد للنزوح خارج أماكن اقامتهم داخل سورية وخارجها ومعاناتهم من الظروف اللاإنسانية التي اضطروا لمعايشتها داخل مخيمات اللجوء في دول الجوار وما أفرزه ذلك من مشاكل تحتاج لمزيد من الدراسة وايجاد حلول عاجلة لمعالجتها.
إن تحليل الآثار المترتبة عن الحرب في سورية من شأنه أن يساعد على ترتيب أولويات ما يجب أن يُتخذ من إجراءات في أي عملية مستقبلية لإعادة الإعمار والتعافي.
لقد ألحقت سنوات الحرب أضراراً ضخمةً برصيد رأس المال المادي في سورية فـ (7% من المساكن دُمرت و20% قد تضررت جزئياً)، وتسببت بمقتل عدد كبير من السكان والنزوح القسري لبعضهم (ما بين 400 ألف و470 ألف وفاة، ونزوح قسري لأكثر من نصف سكان سورية عام 2010)، كل ذلك حدث بالتزامن مع إضعاف النشاط الاقتصادي وتعطيله, فقد أفادت تقديرات الأمم المتحدة أن /6/ من بين كل /10/ أشخاص يعيشون في فقر مدقع بسبب الحرب وخلال السنوات الأربع الأولى 2011-2015تم فقدان حوالي/538/ألف وظيفة سنوياً مما نتج عن ذلك وصول عدد من السوريين الذين لا يعملون أو غير منخرطين في أي شكل من أشكال التدريب أو الدراسة إلى /6.1/ مليون نسمة وبلغت نسبة البطالة /78%/ عام 2015... وسيترتب على هذا الخمول في النشاط خسارة جماعية لرأس المال البشري بسبب الهجرة وانضمام عدد من الشباب الى الجماعات المسلحة لمجرد البقاء على قيد الحياة.
إنّ الكثير من الأسر السورية بفعل الأزمة لم تعد قادرة على إعالة أطفالها فاضطرت لدفعهم إلى سوق العمل فأصبحوا يواجهون مشاكل كالتعنيف، والاستغلال الجنسي للإناث في مناطق سيطرة الجماعات المسلحة في سورية وفي مخيمات اللجوء،بما في ذلك الزيجات المبكرة، وسوء المعاملة، وحتى الدعارة، كما أنه نظراً إلى ضيق المكان داخل منازل اللاجئين وخيمهم يتزايد العنف الأسري أيضاً بما في ذلك العنف الجنسي.
لقد أصبح نصف عقود معاملات الزواج وتثبيتها يوميا تتم بموجب وكالات من خارج سورية، بسبب الهجرة التي اجتاحت المجتمع السوري خلال العامين الماضيين، كما نجد أن هناك نحو ألف معاملة إذن سفر يوميا تصدر للقاصرين والذين أولياؤهم يقطنون خارج سورية ما يدل على ازدياد هجرة هذه الفئة العمرية وهذا بالطبع يشكل خطرا واضحا على تركيبة المجتمع السوري الذي يعتبر مجتمعاً فتياً أغلبه من فئة الشباب المنتج، وبهجرة هذه الفئات وغيرها فإن المجتمع سيتعرض لفقدان الطبقة المنتجة والتي تعتبر من أهم الطبقات في المجتمع.
وفيما تبدو العادات والتقاليد جزءاً من التركيبة الاجتماعية للمجتمعات، وبخاصّة المحافِظة منها، فإنّ الحروب كفيلة بخلخلة تلك المنظومة، ورغم اعتقادنا أنّ العادات محفورة فينا، إلا أنها تتخلخل في الحروب. واليوم نحن نمرّ بحالة ضبابية بالنسبة إلى الكثير من التقاليد, فقد انتشر في سورية ظاهرة زواج القاصرات وأنماط زواج غير معترف بها ضمن القوانين والتشريعات النافذة في سورية نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وخاصة في المناطق الساخنة وغير الآمنة وسيطرة الجماعات المسلحة وفكرها الإرهابي على بعض المناطق, ومن الظواهر الاجتماعية الجديدة والتي أفرزتها الأزمة التي تمر بها سورية قضايا اجتماعية وزوجية مستهجنة وخطرة ولاسيما في مجتمعنا منها تعدد الأزواج في حياة المرأة دون طلاقها شرعا وقانوناً من زوجها الأول, لإضافةً لظاهرة المفقودين وما نتج عنها من آثار اقتصادية كثيرة خاصة بالنسبة لأسر هؤلاء المفقودين.
إن الأوضاع النفسية الصعبة التي عايشها الأفراد من خوف وهلع أفرزت أيضا بنفس الوقت ظاهرة خطيرة في المجتمع السوري متمثلة بتعاطي الحبوب والمخدرات، حيث بينت إحصائيات حكومية أن نسبة الشباب المستهدفين لتعاطي مادة المخدر أو تهريبها تجاوزت 80 بالمئة، وهؤلاء مهددون بتعاطي المخدرات نتيجة انتشارها الواسع سواء كانت في المناطق الآمنة أم الساخنة.
كما انخفضت نسب الإنجابلدى أغلب الأسر السورية، حيق قدرت مصادر طبية أن عدد الولادة انخفضت إلى نحو 200 ألف طفل خلال العام الحالي، مؤكدة أن عزوف الشباب عن الزواج إضافة إلى الهجرة التي خيمت بظلالها على الأزمة السورية وازدادت وتيرتها في العام الحالي كان لها الأثر الأكبر في انخفاض نسبة الولادات في البلاد إلى هذا الحد.
أما الطفل السوري فهو يعاني في خطر حقيقي وهو الحلقة الأضعف في المجتمع, فالبعض يمارس العنف ويشارك في القتال, وسنشهد مستقبلاً أجيال تعاني من أمراض اجتماعية ومشكلات نفسية وصحية....وكلاجئين يشهد الأطفال عنفاً ويواجهون ضغوطا عاطفية، في حين يتعطل دعمهم الاجتماعي وتعليمهم المعتاد, ويتم فصل الأطفال عن آبائهم نتيجة الوفاة أو الإصابة أو النزوح، كما ويواجهون أيضا مخاطر التجنيد في الجماعات المسلحة، والاعتداء الجنسي والاتجار. وغالباً ما تكون الفتيات أكثر عرضة للعنف القائم على نوع الجنس، وزواج الأطفال، والتسرب من المدارس.
استهدفت الجماعات المسلحة الإرهابية الأطفال بالتجنيد إذ وفرت التدريب العسكري في بيئات مدرسية أو كجزء من برامج تعليمية أوسع تديرها هذه الجماعات. وكُلفوا بمهام مختلفة أو خطرة بشكل خاص وشجعوهم على التطوع للعمليات الانتحارية.... يحتاج الأطفال المسرحون من الجماعات المسلحة إلى دعم ورعاية خاصة. هناك أشخاص يرغبون في ترك الجماعات المسلحة والعودة للحياة المدنية وهذا يستدعي وجود مؤسسات وبرامج رعاية ودعم تمهيداً لإعادة دمجهم مجتمعياً.
إن حياة الأطفال السوريين في المخيمات عرضتهم للكثير من المآسي كمشكلة من تسميهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأطفال “عديمي الجنسية” إشارة إلى الأطفال الذين ولدوا في المخيمات ولم يتم تسجليهم في السفارات السورية في بعض بلدان اللجوء.
إضافة إلى الفتيات الصغيرات اللواتي يتزوجن من مقاتلين منتمين إلى المنظمات الإرهابية ثم يتركن لمصائرهن دون أية حماية أو صون لحقوقهن أو حتى تسجيل لأطفالهن لدرجة أن بعض المواليد سجل على خانة الجد والد الأم لعدم معرفة مصير والده الحقيقي وذلك حفاظاً على ما يسمى شرف العائلة.
مشهد النسوة وأطفالهن الصغار على بعض الأرصفة والتسول أصبح حاضراً وبقوة في المدن السورية وخاصة دمشق لكثرة أعداد النازحين إليها من كل المحافظات السورية هرباً من الإرهاب وانتقال الأطفال من مقاعد الدراسة إلى التسول يعكس واقعاً مؤلماً وصل إليه عدد لابأس به من الأطفال، هذه الظاهرة تقف ورائها عصابات ومافيات تستغل الوضع الاقتصادي لبعض الأسر النازحة, وهنا لابد من الايضاح أنّ الفقر ليس عاملاً أساسياً للتسول فهنالك الكثير من الفقراء ولا يتسولون بل يعملون لتأمين لقمة عيشهم لذلك يجب أن تتضاعف الجهود للبحث عن آلية معينة لدعم الأسر التي تعاني من ظروف اقتصادية غاية في الصعوبة جرّاء الحرب حماية لأطفال وصوناً لحقوقهم وكرامتهم.
إن الخارطة التعليمية في سورية اليوم قسمت الأطفال إلى مجموعات وكل مجموعة تتلقى تعليماً يختلف عن الأخرى فالأطفال في المدارس الحكومية الذين حالفهم الحظ للالتحاق بمقاعد الدراسة مازالوا يتلقون تعليمهم ويُتمّون سنوات دراستهم وفق الخطة الموضوعة من قبل الوزارة أمّا الأطفال في مخيمات اللجوء يعانون من صعوبات عديدة منها عدم الاندماج بسبب العادات والتقاليد واختلاف المناهج واللغة التي تشكل العائق الرئيسي إضافة إلى ضعف الإمكانيات الاقتصادية حيث يعيش معظم اللاجئين في مخيمات منتظرين إعانات من منظمات دولية أو مساعدات خجولة من الدول التي لجؤوا إليها وبالنسبة للأطفال في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية كداعش وجبهة النصرة وغيرها التي تفرض مناهج دينية متشددة وتقوم بالتركيز على الأطفال بشكلٍ خاص لغسل أدمغتهم واستغلالهم فلم يكن استهداف قطاع التعليم في سورية عن عبث حيث عمدت هذه التنظيمات منذ بدء الأحداث إلى استهداف الكادر التعليمي عن طريق التهديد بالخطف أو القتل والاعتداء على المدارس تحت شعارات الإضراب قبل أنّ تتخذ منها معاقل ومراكز لتجميع قواتها الأمر الذي مهد لخلق جيل ضائع فنشأت حلقات الحشد الجهادي في الكثير من المناطق هناك وتطورت فيما بعد إلى شكل معسكرات جهادية.
كما إنّ مغادرة أعداد لا بأس بها من دكاترة الجامعة في سورية أثرت سلباًعلى البنية والمنظومة التعليمية الأكاديمية لكن الإقبال على التمسك بمتابعة التعليم لم يتراجع إلا ربما في السنة الأولى من الحرب ولكن سرعان ما ازداد الإقبال باطراد ومجرد استمرار الجامعات على الرغم من التفجيرات والهاون هو أمراً يستحق الاحترام على الرغم من وجود ملاحظات مرتبطة بالأداء والجودة, كما أن اضطرار الكثير من الجامعات الخاصة للانتقال إلى العاصمة أو أماكن أكثر أمناً مما زاد التكلفة المادية على الجهتين (الجامعة والطالب) فتجهيز القاعات وتأمين الحواسيب وأجهزة العرض والمخابر للمقر الجديد لا يوازي قطعاً المقر الرئيسي ولكن كان حلاً مؤقتاً ورغبة على المتابعة والاستمرار.
إن أية حلول ومعالجات فردية إسعافيه تبقى قاصرة عن تحقيق الهدف كون الظواهر الاجتماعية تتميز بأنها مترابطة وكل منها يصح أن يطلق عليه سبب ونتيجة بذات الوقت ...مما يستوجب اعتماد خطة متكاملة للتعافي المبكر وإعادة الإعمار على مستوى الدولة تتضمن مجموعة من البرامج والمشاريع ذات البعد الاجتماعي والإنساني تتشارك فيها كل الفاعلين سواء من الجانب الحكومي أو منظمات العمل الأهلي وقطاع الأعمال والأفراد إلى جانب الشركاء الدوليين من منظمات أممية أو دول صديقة ..الخ, وهذا يستدعي أن تتم العملية ضمن مراحل:
إلا أن هناك مجموعة من التدخلات العاجلة الاسعافية يجب تطبيقها ضمن المنظور الآني في إطار الخطة الشاملة للتعافي وتحسين سبل العيش وتضم:
هرم التدخل لتوفير الخدمات
إن الآثار الكارثية على المجتمع السوري في الوقت الحاضر لن تظهر بسبب عدم قدرة المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني من اجراء احصائيات تقوم على أسس علمية تُمكنها من تقدير الخسائر البشرية بشكل دقيق ولكن من المؤكد أنّ هذه الحرب ستترك آثارها السلبية على التركيب الديموغرافي بسبب أعداد الأطفال الكبير الذين قتلوا أو عانوا من إصابات جسدية ونفسية.
[1]- المصدر دراسة صادرة عن البنك الدولي بتاريخ 10/7/2017
إدارة الموقع ليست مسؤولة عن محتوى التعليقات الواردة و لا تعبر عن وجهة نظرها
لا يوجد تعليقات حالياً