عاجل

مواعيد مباريات اليوم الخميس 25-4-2024 والقنوات الناقلة    محافظ اللاذقية يلغي القرار المتعلق بتخفيض مخصصات النقل العام    الإعلام الإسرائيلي يهاجم عالم آثار مصري مشهور لهذه الأسباب ؟    

أهرب من لا شيء..بقلم سلوى عباس

2017-02-23

"ها أنا ذا أحمل جواز سفري بلا هوية أرحل إلى المجهول.. أهرب من كل شيء ومن لاشيء.. لا أعرف متى تبدأ رحلتي ولا متى تنتهي.. لا أعرف ماذا يخبئ لي القدر ولا على أي شاطئ سترسو سفينتي، لكنني رغم ضياعي سأهرب من أمس لم يترك لي سوى الذكريات.. ماضيَّ الذي أحمله هو أنت.. أنت الذي لون أيامي وأحاطها بإطار من الحب والحنان وجعلني أثق بالدنيا ومن فيها.. وزرعني في حديقتك زهرة وأوهمتني أنني الزهرة الوحيدة فيها، لكنها كانت تحفل بكل أنواع الزهور، وها هو الغد قد أتى ليكشف لي حقيقة الحب الذي وهبته لي وأضعتني في زحمة ألوانه المصطنعة”.

عبارات كتبتها الصبية في مرحلة من الزمن كانت الحياة بالنسبة لها تقتصر على أسرتها وزميلاتها في المدرسة، حيث وعت على الدنيا وهي محاطة بالاهتمام والحب من أهلها ومحيطها حتى ظنت أنها الوحيدة من تستحق كل هذا، ولم تفكر للحظة أن هناك من يستحقون الاهتمام أيضاً، كما لم تكن تدرك حينها أن من سيقاسمونها الاهتمام هم أقرب الناس إليها، لذلك لم تتقبل أبداً فكرة أن ترى والدها يمازح إخوتها ويهتم بهم، فكتبت إليه تعاتبه بعبارات لم تكن بالنسبة لها أكثر من حالة بوح أفرغتها على الورق الذي كان رفيقها، ولأن من كانت تشكو له انصرف باهتمامه عنها.

لم تكن تلك العبارات أكثر من “شكوى” بثتها لأوراقها ولم تفكر أن يوماً أنها ستسبب لها ألماً لن تمحوه الأيام، عندما عادت من مدرستها ووجدت والدها يقف أمام طاولتها ويقرأ في دفترها، وكم دهشت عندما رأت الدمعة تقف في محجر عينيه وهو يقرأ ما كتبت من عبارات آلمته وجمدت الكلام في حلقه.. تسمر الوقت فلا الشمس غادرت قبتها الجليلة ولا الهواء تحرك عن الأشياء، كل شيء تجمد أمام هذا الموقف، كل الكواكب أوقفت مساراتها، لاشيء يعطي دفئه ولا زهرة أينعت في دمها، وحده والدها غادر الغرفة دونما التفاتة، ركضت وراءه وحاولت أن تضمه في قلبها وأن تواري وجهه الحزين بين ضلوعها، وأن تشعل دمها شمساً لصباحاته مقابل أن يسامحها، لكن ما حدث آلمها أكثر فقد عاد معها إلى غرفتها، وأخذ يحدثها عن إخوتها الذين يحتاجون لرعايته واهتمامه، وعن الحجرات الثمانية التي بناها في قلبه لأسرته، وأنه ليس من قوة يمكنها أن تهدم هذه الحجرات إلا الموت، وكم أرعبتها هذه الكلمة، فاحتضنته واعتذرت على كلام كتبته في لحظة عابرة  ولم تكن تقصد أن يودي إلى هنا، لكنه قبّلها على جبينها وخرج من الغرفة.

اليوم وقد ملأ الحزن الدنيا وأخذ من روح هذه الصبية كل مأخذ، تتمنى أن يكون بمقدورها امتلاك جواز سفر يعبر بها إلى من ظلوا رغم الغياب يشكلون ماضيها وذاكرتها الجميلة، فهل الحياة تفرض علينا أقدارنا، أم نحن الذين نختارها..؟ أم أن ما تبقى لنا من عمر قصير هو ما يجعلنا نهرب من ذواتنا لننكفئ على أوجاعنا التي حفرت أخاديدها في أعماقنا، دون أن يلامس أحدٌ ما بداخلنا من جروح تنزف ألماً، ومن تسبّبوا بها هم آخر من ينتبه إلينا!.


التعليقات

إدارة الموقع ليست مسؤولة عن محتوى التعليقات الواردة و لا تعبر عن وجهة نظرها

لا يوجد تعليقات حالياً

شاركنا رأيك

Create Account



Log In Your Account