عاجل

ما علاقة الحطام الغارق قبالة سواحل العقبة بالطائرة الماليزية المفقودة؟     5 قتلى على الأقل جراء أعاصير في وسط الولايات المتحدة    صحيفة لوموند الفرنسية: فرنسا خفضت صادراتها الدفاعية لإسرائيل    

إدلب أم إيبلا؟ أيُّهما كانت عاصمة سورية في الألف الثَّالث قبل الميلاد؟ بقلم مهنا بلال الرشيد – العربي القديم

2024-04-14

تُطلِق بعض المصادر التَّاريخيَّة ومضات مضيئة على التَّاريخ السِّياسيِّ والاجتماعيِّ والاقتصاديِّ لسورية وسائر الشَّرق الأوسط في (بلاد الشَّام وبلاد الرَّافدين والجزيرة العربيَّة وسهول الأناضول) وسط الظَّلام أو شحِّ المعلومات، الَّذي يكتنف تاريخ هذه المنطقة خلال العصور الحجريَّة في مرحلة ما قبل اختراع الكتابة، لكنَّ هذه الومضات في المصادر التَّاريخيَّة تعجز عن رسم صورة دقيقة لهذا الشَّرق، وإن زوَّدتنا بمشاهد متقطِّعة، تمتدُّ من بداية الثَّورة النِّيوليثيَّة مع تدجين القمح وزراعته وانتقال السُّكان من حياة الجمع والصِّيد والتِّرحال لدى الإنسان البدويِّ إلى حياة الفلَّاح أو المزارع، الَّذي استقرَّ في القرى الزِّراعيَّة الصَّغيرة على ضفاف الأنهار حول دِجلة والفرات والنِّيل والعاصي وداخل الجزيرة الفراتيَّة في (حرَّان وأورفا وكوبكلي تبَّه) وعلى أطرافها في (مَسكَنة وحلب وإدلب) حوالي (10000) قبل الميلاد. ومع مرور الزَّمن كبرت القرى، وصارت مدنًا، داخل مملكة كبيرة، وصار بعض هذه المدن عواصم سياسيَّة أو اقتصاديَّة أو سياسيَّة واقتصاديَّة معًا مثل ماري وإيبلا وحلب.

الأموريُّون أكبر شعوب هذه المنطقة

ترسم المستحاثَّات واللُّقى الأثريَّة صورة غير دقيقة المعالم عن تاريخ هذا المشرق في العصور الحجريَّة منذ بداية ثورة تدجين القمح النِّيوليثيَّةً حتَّى ثورة اختراع الكتابة بين (3500-10500) قبل الميلاد تقريبًا؛ وذلك لأنَّ الجداريات وتماثيل الملوك وأشكال المعابد وأدوات الإنسان الحجريَّة والخشبيَّة وإن قدَّمت بعض الإضاءات الدَّالَّة على تاريخ المنطقة فلا يمكنها أن تقول معلومات قطعيَّة الدَّلالة، وإن حاولنا تأويلها أو استنطاقها. وتنفرد رُفات القبور البشريَّة بين الأدلَّة التَّاريخيَّة في هذه المرحلة بأهمِّيَّة بارزة بسبب الحمض النَّوويِّ الموجود فيها، حيث شرع النَّقد الحيويُّ المعاصر بمقارنة جينومات السُّكَّان المعاصرين وأحماضهم النَّوويَّة بجينومات مستخرجة من عظام الأجداد في قبورهم المكتشفة، وعندما كشفت التَّحاليل الجينيَّة عن انتشار نِسَبٍ مرتفعة للجينوم(J1) والجينوم(J2) وتحوُّراتهما في هذا المجال الحيويِّ منذ بداية الثَّورة الزِّراعيَّة النِّيوليثيَّة حتَّى وقتنا الرَّاهن تأكَّدت الأصول الأموريَّة لمعظم شعوب هذه المنطقة أو هذا المجال الحيويِّ.

من هم الأموريُّون؟

الأموريُّون قبائل تجوَّلت في هذا المجال الحيويِّ (بلاد الشّام وبلاد الرَّافدين والجزيرة العربيَّة والجزيرة الفراتيَّة وأطراف سهول الأناضول) في مرحلة الجمع والصِّيد، ومع ثورة تدجين القمح النِّيوليثيَّة تأسَّست القرى الزِّراعيَّة الأولى، وأدارتها أُسرٌ أموريَّة بدأت تتحوَّل تدريجيًّا من نظام الاشتراكيَّة البدائيَّة إلى نظام الأُسر الأرستقراطيَّة، وعندما تحوَّلت بعض القرى إلى مدن أو عواصم كبيرة حكمتها بعض الأسر الأرستقراطيَّة المنحدرة من قبائل الأموريِّين كما في ماري وإيبلا وإيسن وغيرها، وإن رجع معظم هذه الأسر والسُّلالات الحاكمة إلى أرومة بشريَّة أموريَّة واحدة فقد أدَّى التَّنافس على المُلْك ومنابع المياه وخيرات المجال الحيويِّ إلى حروب طاحنة بين الأُسر والقبائل برغم أصولها العرقيَّة المشتركة، وتعزَّز هذا الانقسام بتوقيع المعاهدات أو التَّحالفات بين بعضها الأوَّل وضدَّ بعضها الآخر، على نحو المعاهدات الَّتي وقّعتها ماري وإيبلا مع الآشوريِّين. يجزم بعض الباحثين أنَّ الأموريِّين من أصول ساميَّة نسبة إلى سام بن نوح عليه السَّلام، ونحن نتحفَّظ على تقسم شعوب العالم المعاصر إلى شعوب (ساميَّة وحاميَّة وآريَّة) أو يافثيَّة نسبة إلى أبناء نوح (سام وحام ويافث)، ونعتقد أنَّ تزايد تحليل الجينومات والأحماض النَّوويَّة في المستقبل سينفي صحَّة هذا التَّقسيم، مع أنَّه-من وجهة نظر أوَّليَّة لدينا-لا يُعقل هذا التَّباعد الجينيُّ الكبير بين شعوب العالم المعاصر إن كانت تنحدر جميعها من ثلاثة أخوة أشقَّاء من أبناء نوح عليه السَّلام، ولا يُعقل عندنا أن يرجع كلُّ فرد منَّا من خلال حمضه النَّوويِّ إلى جدِّه الخمسين أو السِّتين، ويعرف نفسه إن كان من نسْلِ سامٍ أو حامٍ أو يافثٍ، وتحدث المفارقة الكبرى أو التَّباعد العرقيِّ المُريع مع الجدِّ الحادي والسِّتِّين؛ لأنَّ المفترض في الحمض النَّوويِّ لكلٍّ من سام وحام ويافث أن يكون متشابهًا لأنَّهم أخوة من أبناء نوح، ويفترض في الحمض النَّوويِّ للشُّعوب المنحدرة منهم أن يكون متشابهًا كذلك؛ فلم هذه المفارقات الكبيرة في التَّحوُّرات الجينيَّة بيننا نحن الأخوة من الشُّعوب المنحدرة من أبناء نوح: سام وحام ويافث؟!.

سُلالة الأموريِّين ومعتقداتهم ونظام كتابتهم

تُشير الأدلَّة الفيلولوجيَّة والأنثروبولوجيَّة الدِّينيَّة إلى أنَّ ملوك إيبلا كانوا من الأُسَر الأموريَّة، الَّتي صنعت نهضة المملكة الإيبلاويَّة الأولى قبل غزو سرجون الأكديِّ وحفيده نارام سين بين (2300-2200) قبل الميلاد؛ وذلك لأنَّ أسماء ملوك إيبلا الموجودة في وثائقها وأسماء كُتَّابها ورعاياها أسماء أموريَّة؛ مثل إبِّيت ليم وإبريوم وإبراهيم أو أبرام وإسماعيل وميكائيل وعيسى وغيرها، وكذلك أشهر آلهة إيبلا هي آلهة أموريَّة؛ مثل: أَدَد أو حَدَد، وداگان أو دَجَن، وعشتار الَّتي قدَّم لها الملك الإيبلاويُّ إبِّيت ليم نذره أو ذبيحته، ونقل لنا نقش تمثال إبِّيت ليم من بين وثائق إيبلا هذه الطُّقوس. ويُجْمِع الباحثون أنَّ الكنعانيِّين والفينيقيِّين والآراميِّين جميعهم من أصول إيبلاويَّة، وسكَّان إيبلا وملوكها من أصول أموريَّة كما أسلفنا، واستشهدنا على ذلك بكلٍّ من الدَّليل الفيلولوجيِّ أو دليل فقه اللُّغة المقارن، الَّذي كشف عن تشابه أسماء الأموريِّين في إيبلا وماري وإيسن وأوجاريت وجُبيل، وما قراءة اسم الأموريِّين(Amora) بصيغة اسم أبنائهم وأحفادهم الآراميِّين(Aroma)  إلَّا دليل فيلولوجيٍّ آخر، يؤكّد على تسمية الأبناء بأسماء الآباء، وإطلاق النَّاس تسمية الآباء على أسماء الأبناء أيضاً، ويدلُّ تجاوبُ هذه التَّسميات وتشابهاتها كلِّها على مجموعة بشريَّة واحدة، ترجع إلى أصول عرقيَّة مشتركة، وتنتشر في مجال حيويٍّ واسع. وسبب تسمية شعوب (آمورا أي الأموريِّين) باسم شعوب (آروما أي الآراميِّين) يرجع إلى انتشار نظامين للكتابة والقراءة في المشرق من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين؛ وذلك بسبب اختلاف طُرق الكُتَّاب عندما يقلبون لوح الطِّين للكتابة على وجهه الآخر بعد اكتمال وجهه الأوَّل، حيث يتابع بعضهم كتابته على لوحه من اليسار إلى اليمين، ويتابع آخرون من اليمين إلى اليسار؛ ولهذا اتَّخذ كثير من الملوك في مراسلاتهم ومراسيمهم الرَّسميَّة أسماء أو ألقابًا تُقرَأ من اليسار إلى اليمين ومن اليمين إلى اليسار بطريقة واحدة أو باختلاف بسيط مثل: (توت، عنخ، لوگال، داود، نارام، وغيرها).

لُغة إيبلا

شكَّل اختراع الكتابة المسماريَّة بين 3250-3750)) قبل الميلاد نهاية عصور الظَّلام أو التَّعتيم الحجريَّة وبداية العصور البرونزيَّة؛ لأنَّ المدوَّنات الكتابيَّة في مرحلة ما بعد اختراع الكتابة تعطي صورة أكثر وضوحًا عن التَّاريخ السِّياسيِّ والاجتماعيِّ والاقتصاديِّ لهذا المجال الحيويِّ، ودلالة هذه المدوَّنات اللُّغويَّة أكثر قطعيَّة وحُجِّيَّة من دلالة المنحوتات ومشاهد التَّصوير في الجداريَّات، وبرغم اختراع الكتابة المسماريَّة في الثُّلث الأخير من الألف الرَّابع قبل الميلاد ما تزال مدوَّنات هذه المرحلة ومدوَّنات مطلع الألف الثَّالث قبل الميلاد قليلة جدًّا، وأشهرها فواتير الكاتب والمحاسب كوشيم المكتوبة على ألواحه الطِّينيَّة في العراق وقوائم الملوك السُّومريِّين قبل الطُّوفان بالإضافة إلى أسطورة الخلق والطّوفان بوصفها واحدة من أبرز المدوَّنات المسماريّة في الثُّلث الأوَّل من الألف الثَّالث قبل الميلاد. وعندما نصل إلى (2600) قبل الميلاد يُطلُّ علينا كلٌّ من مدوَّنات (فارا) وألواح (أبي صلابيخ) جنوب العراق ورُقم (إيبلا) وألواح (تلّ مرديخ) شمال غرب سورية وسائر المجال الحيويِّ الَّذي نتحدَّث عنه. وقاد تشابه اللُّغة في كلٍّ من ألواح أبي صلابيخ وألواح إيبلا المبكِّرة إلى اعتقاد أوَّليٍّ يشير إلى أنَّ لغة إيبلا لغة أكديَّة أو لغة (ساميَّة شماليَّة غربيَّة)؛ ساميَّة: نسبة لاعتقاد الباحثين أنَّ شعوب هذه المنطقة من أبناء سام بن نوح، وشماليَّة غربيَّة: نسبة إلى موقعها شمال غرب هذا المجال الحيويِّ، ثمَّ تبيَّن لاحقًا أنَّ لغة إيبلا المكتوبة بالحروف المسماريَّة ذاتها لغة مستقلَّة عن اللُّغات الأخرى، وإن تشابهت قليلًا مع السُّومريَّة، أو تشابهت كثيرًا مع الأكديَّة، والرَّاجح عندنا أنَّ استقلال أُسَر إيبلا الأموريَّة بلغتها وتجارتها وموقعها ومعتقداتها عن أُسر أكاد الأموريَّة في العراق عبر مرحلة تمتدُّ لمئات السِّنين بسبب الصِّراع على المُلُك كان أبرز سبب لغزو سرجون الأكديِّ وحفيده نارام سين وتدمير القصر الملكيِّ في إيبلا، وأدَّى إلى تغيير اسم تلِّ المملكة في (إدلب) من (تلِّ إيبلا) إلى (تلِّ مردوخ أو تلّ مرديخ) كبير آلهة الأكديِّين عند سرجون وحفيده نارام سين، وعمَّق هوَّة الخلاف والشِّقاق اللُّغويِّ والدِّينيِّ بين شعوب هذه المنطقة فيما بعد؛ فما معنى (إدلب)؟ وما معنى (إيبلا)؟ ومن هم أشهر ملوكها؟ وكيف سارت أمور الحكم الملكيِّ في (إيبلا) عاصمة سورية بين (2000-2600) قبل الميلاد؟

 ماذا بقي من لُغة أموريِّي إيبلا؟

 تتطوَّرُ مفردات أيِّ لغة من لُغات العالم نُطقًا ودلالة، ويتوازى جانب التَّطوُّر الدَّلاليِّ من جانب التَّطوُّر اللَّفظيِّ، الَّذي يعتني بتطوُّر نُطْقِ اللَّفظة أو تراجُعِ تداولها بسبب ولادة ألفاظ جديدة تسدُّ مكانها، وتدفعها لتسكن أو تستقرَّ في بابها المعجميِّ بعيدًا عن التَّداول. أمَّا التَّطوُّر الدَّلاليُّ فيسير بحركات متفاوتة، ولا نشعر بها في معظم الأحيان إلَّا في المخابر اللُّغويَّة، وقد قسَّم الباحث الرُّوسيُّ أ. كندراتوف حركة التَّطوُّر الدَّلاليِّ إلى ثلاثة أقسام: حيث شبَّه حركة التَّطوُّر في دلالة القسم الأوَّل من الألفاظ بحركة عقارب السَّاعة؛ أي تسير حركة التَّطوُّر الدِّلاليِّ بشكل بطيء جدًّا، وقد تثبت على معنى محدَّد كما ثبتت معظم الكلمات الدَّالَّة على أعضاء الجسم البشريِّ بصورة واحدة في كثير من اللُّغات القديمة لهذه المنطقة. وشبَّه أ.كندراتوف حركة التَّطوُّر في دلالة القسم الثَّاني من الألفاظ وولادة المعاني أو الدِّلالات الجديدة لها بحركة عقرب الثَّواني للكشف عن التَّطوُّر السَّريع في دلالة هذا النَّوع من الألفاظ؛ كدلالة لفظة (عين) على (عين النَّظر المبصرة) وعلى (قرص الشَّمس) وعلى (نبع الماء) وعلى (ذات الشَّيء وجوهره). وهناك ألفاظ تتطوَّر دلالتها بحركة متوسِّطة مثل حركة عقرب الدَّقائق؛ كتطوُّر معنى ألفاظ (الحجِّ) و(الصَّلاة) و(الزَّكاة) و(الطَّلاق) بين الجاهليَّة والإسلام.

قَلْبُ اللُّغة

 هناك مجموعة تتألَّف من حوالي (500-600) كلمة مهمَّة جدًّا للتَّواصل في كلِّ لغة؛ أطلق عليها أ.كندراتوف اسم (قلب اللُّغة)، ووجد أنَّ دلالات هذه الكلمات قد لا تتطوَّر أبدًا، ومن هذه الألفاظ أسماء أعضاء الجسد البشريِّ؛ ولذلك نلحظ أنَّ معظم أسماء أعضاء الجسد البشريِّ مشتركة بين كثيرٍ من اللُّغات الشَّرقيَّة المعروفة باسم اللُّغات السَّاميَّة في هذا المجال الحيويِّ. نشعر في بعض الأحيان بأنَّ أجدادنا وجدَّاتنا يتحدَّثون لغة غريبة، ويستخدمون مفردات قديمة، قد لا نفهم معناها إلَّا من خلال السِّياق أو الإشارة لها أو عليها؛ لأنَّ دلالتها تطوَّرت في استعمالنا، أو ماتت، واندثرت وحلَّ مكانها في معجمنا التَّداوليِّ الحديث، وبسبب بطء حركة التَّطوُّر الدَّلاليِّ لا نشعر بها في معظم الأحيان، ومع ذلك يمنحنا السِّياق قدرة على فهم لغتنا القديمة، الَّتي ورثناها من أجدادنا، وإن تراجعت درجة تداول بعض ألفاظها على ألسنتنا.

اللَّهجة الدَّارجة في إدلب هي لغة أموريَّة إيبلاويَّة

وفي كثير من الأحيان لا نشعر بحركة التَّطوِّر الدَّلاليِّ إلَّا في المخابر اللُّغويَّة، أو إن شرعنا بتدوين لغة أجدادنا وأساطيرهم وكتبهم المقدَّسة، ورُحنا نسجِّل معانيها في سياقات لغويَّة تكشف عن تحوُّلات معناها؛ وقد شعر عثمان بن عفَّان-رضي الله عنه-بتطوُّر دلالة الألفاظ بين الشِّعر الجاهليِّ والقرآن الكريم؛ فاختار لجنة رباعيَّة لتدوين المصحف بعدما تفهم التَّطوُّر الدَّلاليِّ في بعض ألفاظه. ومع ذلك لم يجد عبد الله بن عبَّاس-رضي الله عنه-بُدًّا من الاستعانة بالشِّعر الجاهليِّ لتفسير معاني مفردات القرآن الكريم؛ لأنَّ أهل مكَّة المكرَّمة ظلُّوا يتكلَّمون لغة أجدادهم، ويفهمون معناها برغم تطوُّر دلالات كثير من مفرداتها، وقد كشفت لجنة تدوين المصحف الرُّباعيَّة عن بعض جوانب هذا التَّطوُّر حين دوَّنت القرآن الكريم في المصحف العثمانيِّ، وحدث مثل هذا الأمر تمامًا حين دوَّن أجدادنا في إيبلا في وثائقهم، الَّتي تشتمل على لغة آبائهم الأموريِّين، ثمَّ غزا نارام سين إيبلا، وأحرق رُقمها؛ لكنَّ سكَّان إيبلا-وأنا منهم-ظلُّوا يتكلَّمون لغتهم الأمَّ القديمة؛ أي ظلُّوا يتداولون لغة أجدادهم الدَّارجة على ألسنتهم؛ لأنَّ الغزو وحروب السِّياسات اللُّغويَّة لا يمكنها اجتثاث اللُّغة من التَّداول على ألسنة أبنائها، وما زال سكَّان إدلب وسراقب وإيبلا وما جاورها يتحدَّثون لغة أجدادهم (الأموريَّة الإيبلاويَّة) المحكيَّة أو العامِّيَّة، الَّتي توارثوها جيلًا بعد جيل، وهذه اللُّغة المحكيَّة قريبة جدًّا من عربيَّة الشِّعر الجاهليِّ الفصحى، وفيها ألفاظ أوجاريتيَّة وآراميَّة وسريانيَّة بحكم التَّطوُّر التَّاريخيِّ، وفيها مؤثِّرات تركيَّة واضحة؛ لأنَّ الأموريِّين والأتراك كانوا متجاورين في هضبة الأناضول ومتداخلين في هضبة أرمينية حول منابع الفرات العليا وعلى ضفافه داخل الجزيرة الفراتيَّة؛ لذلك يجدر بدارس معاني النُّصوص القديمة ومدوَّناتها أن يُلمَّ بكثير من لغات شعوب هذه المنطقة ولهجاتها، ويبقى الفرد داخل المجتمع المحلِّيِّ وإن كان من عامَّة السُّكَّان المحلِّيِّين قادرًا أكثر من غيره على تأويل نقشٍ من نقوش أجداده، الَّتي قد يعجز عن تأويلها عباقرة علماء الفيلولوجيا في مجال الإيبلاويَّات والآشوريَّات والمصريَّات والسُّومريَّات.

ما معنى إدلب وإيبلا فيلولوجيًّا؟

قدَّم الأستاذ فايز قوصرة أحد أشهر مؤرِّخي إدلب في العصر الحديث مجموعة كبيرة من المؤلَّفات حول إدلب ومعناها وأوابد مناطقها وآثار نواحيها بالإضافة إلى جهود الباحث محمَّد سليم الجنديِّ، الَّذي ألَّف كتابه عن تاريخ معرَّة النُّعمان. وقد نقل الأستاذ فايز قوصرة مجموعة كبيرة من الأقوال حول معنى اسم إدلب؛ مثل: شجر الدِّلب أو غابات الدِّلب ودلبين وإدليب بالياء، وجرت العادة أن تشتهر من التَّأويلات كلُّ محاولة تردُّ الاسم المدروس إلى أصوله السِّريانيَّة أو الآراميَّة، بدعوى أنَّ السِّريانيَّة أصل الأسماء كلِّها في هذه المنطقة، وبناء على الرَّدِّ للأصل السِّريانيِّ تدلُّ كلمة (لُبُّ) على القلب، وقد كان المقطع الأوَّل في كلمة إدلب-بحسب بعض التَّصوُّرات السِّريانيَّة-على شكل (إرد) أو (آرد) من (آر السِّريانيَّة بمعنى هواء) ومِن حَرْفِ (الدَّال أداة الإضافة في السِّريانيَّة أيضًا)؛ وعليه يكون معنى كلمة، إن صحَّت هذه المقاربة السِّريانيَّة: (إدلب: مدينة الهواء المنعش للقلب).

أميل إلى البحث عن تأويل آخر غير تَحوُّرِ كلمة (إدلب) عن (إردليب) السِّريانيَّة، وإن كنت أستسيغ في هذا التَّأويل دلالة اللُّبِّ على كلٍّ من (القلب) وشجر (الدِّلب)، والحقُّ أنَّ ردَّ كلِّ كلمة إلى أصلها السِّريانيِّ والوقوف عنده بوصفه مرحلة أخيرة دون التّعمُّق في أصل المرحلة الآراميَّة ثمَّ أصل المرحلة الأوجاريتيَّة ثمَّ الأصل الإيبلاويِّ بوصفه أقدم مرحلة تدوين أمرٌ لا يخلو من التَّعسُّف أو التّعنُّت؛ لأنَّ التَّأصيل حركة مستمرَّة، طبعًا إن أمكن هذا التَّأصيل؛ لأنَّ الوقوف في المنتصف والجزم بأنَّ المعنى السِّريانيَّ أو الأوجاريتيَّ هو الأصل الأقدم دون الوصول إلى الأصل الإيبلاويِّ لا يخلو من قصور وضعف؛ لأنَّ إيبلاويَّة الأموريِّين المكتوبة بحرف مسماريٍّ أقدم مدوَّنات هذه الأرومة اللُّغويَّة، الَّتي تضاهي في قِدمها وأصالتها وعراقتها أقدم ما كتبه الأكديِّون في أبي صلابيخ في العراق وما كتبته أقدم الأسر الفرعونيَّة في مصر.

سننطلق من القرآن الكريم في تأويل معنى كلمتي (إدلب) و(إيبلا)، فقد قال الله سبحانه وتعالى: (وقالوا اتَّخذَ الرَّحمن ولداً. لقد جئتم شيئاً إدّاً). [سورة مريم: 89-90]. قال القرطبيُّ: الأدُّ يعني الغَلَبَة والقوَّة، وجَمْع الإدَّة: إِدَدٌ. وقال تعالى: (وقالوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكم ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُوَاعاً ولا يَغوثَ ويَعُوقَ ونَسراً). [نوح: 23]. قال ابن كثير: وَدٌّ: صنم أو وَثنٌ لقبيلة كلب في دومة الجندل، ويكثر في اللُّغات الشَّرقيَّة القديمة تقليب حروف العلَّة (ا، و، ي) وتبادل مواقعها؛ فأصل كلمة (سماء) هو: (سماو)؛ يعني حوَّلنا (الواو) إلى (همزة)، ومن الوارد جدًّا أن يكون أصل الواو في كلمة (ودّ) هو همزة (إد)؛ وهذا هو القسم الأوَّل من كلمة (إدلب). قال تعالى: (إنَّا صبَبْنا الماء صبّاً. ثمَّ شققنا الأرض شقّاً. فأنبتنا فيها حبّاً. وعِنباً وقَضْباً. وزيتوناً ونخلاً. وحدائق غُلْباً. وفاكهةً وأبّاً) [سورة عبس: 25-31] قال الطَّبريُّ: الفاكهة ما يأكله النَّاسُ من الثَّمر، والأَبُّ: ما تأكلُه الأنعامُ من الزَّرع والكلأ. وأَدَد لدى الأموريِّين وفي أساطير المشرق: هو إله الطَّقس؛ أي إله المطر والبرق والرَّعد؛ أي إله خير السَّماء ومطرها، أو إله برقِها ورعدِها؛ أي إله خيرها وغضَبِها معًا، وهو ابن الإله إنو؛ أي إله: النَّوء أو الطَّقس؛ أي ابن كبير آلهة المشرقيِّين في أساطيرهم.

وبعد هذا العرض الموجز يتَّضح لنا أنَّ كلمة إدلب مؤلَّفة من ثلاثة مقاطع صوتيَّة؛ هي: (إِدْ-لِي-إبّ) أو (إِدْ-لِ-إِبّ)؛ ومجموع هذه المقاطع يدلُّ على:  (إد) أو (أَدَد) إله المطر أو (ودّ) صنم قبيلة كلب؛ والرّاجح أنَّ هذا الصَّنم هو تجسيد أوَّليٌّ لفكرة إله الطَّقس (أَدَد). والمقطع الثَّاني في كلمة (إدلب) هو (لي) أو (لِ)، وهو حرف الجرِّ (اللَّام) الَّذي يدلُّ على الملكيَّة، والمقطع الثَّالث في كلمة (إدلب) هو: (إبّ) أو  (الأُبُّ)، وهو: (الزَّرع والكلأ والعشب ممَّا تأكله الأنعام)؛ وعليه تكون كلمة (إدلب) كلمة إيبلاويَّة أموريَّة قديمة تتألَّف من ثلاثة مقاطع صوتيَّة؛ هي (إدْ) (لي) (إب)، وبعد دَمجِ هذه المقاطع الصَّوتيَّة وتسهيل نطقها في كلمة واحدة يصبح معنى الكلمة هو؛ إدلب: مدينة للإله أدد راعي زرعها وخصوبتها، أو مدينة الإله إدّ أو أَدَد سيِّد الطَّقس والزَّرع والبرق والرَّعد والمطر والخصوبة؛ وهي المدينة الشَّهيرة بجودة زيتونها وخصوبة سهول قمحها وشعيرها.

معنى إيبلا

أمَّا إيبلا فهي مؤلَّفة من (إبّ بمعنى: الزَّرع والكلأ)، و(إيلا بمعنى: الله أو الإله إيل)؛ وعليه يكون معنى اسم إيبلا: مدينة (أبُّ الإله) أو (زَرْعُ الإله)؛ لأنَّ معنى الأبُّ في القرآن هو: (الزَّرع)؛ ويكون بذلك اسم إيبلا ومعناه قريبًا من اسم مدينة بابل: بمعنى مدينة (باب إيل) أو (باب الله)، ومدينة أربيل: مدينة (أربا إيل)؛ يعني مدينة الآلهة الأربعة، وغير بعيد عن إيبلا تقع قرية بابيلا على بوَّابتها الجنوبيَّة نحو مصر الفرعونيَّة؛ ومعنى بابيلا هو: مدينة باب الله، وفي دمشق ضاحية ببيلا أيضًا. ونلحظ أنَّ المقطع الأوَّل من اسم إيبلا وهو: إِبّ هو ذاته المقطع الأخير من اسم إدلب؛ أي (إد) (لي) (إب)، ويدلُّ على الزّرع أو السُّهول الخضراء المزروعة أو المغطَّاة بالزّرع، وقد تطوَّر اسم القرية ذات السُّهول المزروعة في المرحلتين: الآراميَّة والسِّريانيَّة اللَّاحقتين لمرحلة مملكة إيبلا الأولى، وصارت سهول القرية الزِّراعة أو السُّهول المغطَّاة بالزَّرع أو المروج الخضراء باسم: (كَفَر؛ بمعنى غطاء؛ أو سهل مزروع أو مغطَّى بالعشب أو الزَّرع)؛ ومنه جاءت أسماء: كفرنبل، وكفر عويد، وكفر عميم، وكفر تخاريم، وكفر نوران، وكفر يحمول وكفر باسين وغيرها، ثمَّ تطوّر معنى (الكُفْر) في المرحلة الإسلاميَّة؛ ليدلَّ على نقيض الإيمان؛ وهو بمعنى غطاء القلب، الَّذي يحجبه، ويمنع صاحبه عن الإيمان، ومن كلمة (كُفر) الإيبلاويَّة هذه جاءت الكلمة الإنكليزيَّة(Cover) بمعنى غطاء أو الفعل يغطِّي؛ ثمَّ صار غطاء الهاتف الجوَّال أو حمايته باسم (كَفَر أو(Cover).

ملوك سورية الإيبلاويِّون في الألف الثّالث قبل الميلاد

تزوِّدنا وثائق إيبلا بأسماء ملوك سورية؛ الَّذين تعاقبوا على حكمها في الألف الثَّالث قبل الميلاد، وتمتدُّ خريطة سورية والأمراء المتحالفين معها بحسب وثائق إيبلا من شمال حلب وأعالي الجزيرة الفراتيَّة شمالًا حتَّى جُبيل ونجد جنوبًا، وقد ضمن الإيبلاويِّون ولاء ملك نجد أو أميرها من خلال تزويجه أميرة إيبلاويّة، وتمتدُّ إيبلا من أوجاريت على السَّاحل السُّوريِّ الغربيّ في اللَّاذقيَّة ورأس شمرا حتّى حدود مملكة آشور في العراق شرقًا، وقد وقَّع الإيبلاويُّون مع ملوك آشور معاهدة تصبُّ بنودها لصالح مملكة إيبلا، وضمنوا سير رحلاتهم التِّجاريَّة من (مَسْكَنَة-إيمار) على الفرات جنوب حلب من خلال تزويج أمير مسكنة من الأميرة الإيبلاويَّة ابنة الملك إركب دامو أيضًا. ويبدو لنا أنَّ الإيبلاويِّين أدركوا أهمِّيَّة الزَّواج السِّياسيِّ في توطيد أركان المُلْك والحفاظ عليه وضمان توسُّعه معًا؛ وخالفوا طريقة الفراعنة، الَّذين كانوا يتزوَّجون من شقيقاتهم مع تزوُّجهم من أميرات آشور وميتاني، وامتنعوا عن تزويج ملوك الممالك المجاورة وأمرائها من الأميرات الفرعونيَّات؛ وخوفًأ على المُلْك تزوَّج الفراعنة من شقيقاتهم، ولم يُزوِّجوا أحدًا من امرأة مصريَّة أو أميرة فرعونيَّة إلَّا إبراهيم عليه السَّلام؛ وذلك لأسباب دينيَّة ترتبط بنبوَّته، وسياسيَّة ترتبط بخلافه مع النَّمرود وخصومهم العراقيِّين؛ ولذلك هاجر إبراهيم-عليه السَّلام-إلى مكَّة المكرَّمة بعد صراعه مع ملوك بابل خصوم الفراعنة التَّقليديِّين؛ وملوك إيبلا المذكورون في وثائقها؛ هم:

١-أبورليم ٢-أجورليم ٣-أبي دامو ٤-با دامو ٥-إنار دامو ٦-إشار مالك ٧- كوم دامو ٨-أدوب دامو ٩-أجريش خالام ١٠- إركب دامو ١١- إشار دامو ١٢- إجريش خيبا ١٣- إبيت ليم ويمكن الإشارة في ختام هذه الفقرة إلى أنَّ هذه القائمة الملكيَّة ليست قائمة نهائيَّة، وإنَّما هي نتيجة أبحاث متفرِّقة بعد قراءة مجموعة من ألواح إيبلا في أواخر ثمانينات القرن الماضي ومطلع التِّسعينات، ولا شكَّ أنَّ التّصوُّر الأشمل سيكون بعد اكتمال قراءة الوثائق كلِّها ومقارنتها بالوثائق الأكديَّة والفرعونيَّة في تلك المرحلة.

الطَّبقيَّة ونظام الحكم الطَّبقيِّ والأُسَر الأرستقراطيَّة في سورية خلال الألف الثَّالث قبل الميلاد

يخضع لقب (ملك) في إيبلا إلى دراسات معمَّقة لفهم سُلطات المَلِك وامتيازاته الدُّستوريَّة (السِّياسيَّة والدِّينيَّة والعسكريَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة كلِّها)؛ لأنَّ وعلامة الحكم أو إشارة(en) قبل اسم الحاكم الإيبلاويِّ تدلُّ على نمتُّعه بسلطات الحكم والملكيَّة، لكنَّها لا تحدِّد صلاحيَّات الحاكم الدَّقيقة؛ لذلك تحظى دراسة مفهوم السُّلطة أو تقاسم السُّلطات في إيبلا بأهمِّيَّة كبيرة. وتؤكِّد بعض القراءات في وثائق إيبلا أنَّ الحاكم الإيبلاويَّ كان أقرب إلى معنى الملك في مملكة دستوريَّة، ولم يكن حاكمًا أو رئيسًا مطلق الصَّلاحيَّة. وقد عُثر بين الوثائق على مدوَّنة تخصُّ الفرعون المصريَّ بيبي الأوَّل، وفيها إشارات تؤكِّد على وجود مجلس للأعيان والشُّيوخ يشكِّل ائتلافًا حاكمًا من أربعين عضوًا، يمثِّلون أربعين مقاطعة أو مدينة، وهم أشبه بأمراء المدن أو شيوخ العشائر أو مجلس الشُّورى، الَّذي يستعين به الحاكم، ويستشيره على حكم البلاد.

ويحضر اجتماعات مجلس الشُّيوخ الإداريَّة المهمَّة رجال من رُتب اللُّوجال والمشكيم والأوجولا وأعيان من طبقة الشُّيوخ أو طبقة أبَّا أبَّا، وتزوِّدنا الوثائق بأسماء بعض الوزراء؛ مثل: أرُّوكوم وإيبريوم وإبي زيكير، ويبدو لنا من تحليل هذه البيانات أنَّ تقسيمات المجتمع الإيبلاويَّ في الألف الثَّالث قبل الميلاد كانت شبيهة بتقسيمات المجتمع السُّوريِّ المعاصر وطبقاته في مرحلة ما قبل الثَّورة ضدَّ المجرم بشَّار الأسد؛ نظرًا للعبث الَّذي طال هذه الطَّبقات المجتمعيَّة في مرحلة الانقلابات العسكريَّة وحُكم المجرمين حافظ وبشَّار الأسد. وقد أسهم حكم آل الأسد المجرمين في تقليص نفوذ الأُسر الأرستقراطيَّة التَّقليديَّة في سورية، وقاد إلى استغلال بعض الأسر المغمورة مؤسَّسة الجيش؛ لتصعد من خلال أبنائها العاملين في هذه المؤسَّسة من طبقة اجتماعيَّة مغمورة إلى طبقة اجتماعيَّة متوسِّطة أو أرستقراطيَّة، بالإضافة إلى العبث في ديموغرافيَّة سورية وتوزُّع التَّركيبة السُّكَّانيَّة فيها.

يبدو أنَّه من الممكن لنا أن نقسم هذا المجتمع الإيبلاويِّ إلى طبقة النُّخبة الأرستقراطيَّة، الَّتي تتألَّف من الشُّيوخ والوزراء والأعيان؛ وكانت تساعد الحاكم على إدارة شؤون البلاد بنظام يشبه الملكيَّة الدُّستوريَّة، وهناك طبقة وسطى تتألَّف من كُتَّاب القصر وأمراء الجيوش ورجال الأمن والاتِّصالات وعموم التُّجّار والحرفيِّين، وهناك طبقة ثالثة تتألَّف من المزارعين، الَّذين يعملون في الحقول وتربية الأغنام والمواشي والدَّواجن.

في الختام تقدِّم مملكة إيبلا صورة عن نظام سياسيٍّ وعقد اجتماعيٍّ سوريٍّ جميل، وتدلُّ هذه الوثائق على دخول عاصمة سورية في مرحلة الازدهار منذ عصور تاريخيَّة مبكّرة تبدأ حوالي (2600) قبل الميلاد. كما تشير الوثائق إلى أنَّ الأسر الحاكمة في هذا الائتلاف أو هذا النِّظام السِّياسيِّ سقطت نتيجة غزو نارام سين (2118-2254) قبل الميلاد، ولم تسقط نتيجة ثورة شعب مظلوم ضدَّ حاكمه المستبدِّ.

ثمَّ عادت هذه المملكة للنُّهوض بعد ذلك في زمن إبِّيت ليم بن إجريش خيبا، ويظهر لنا أنَّ قسمًا مهمًّا من تُجَّار أموريِّي إيبلا ومثقّفيها وكتَّابها لم يعودوا للمشاركة في ائتلاف إبِّيت ليم ونهضة إيبلا الثَّانية؛ لأنّ قسمًا منهم استقرَّ في حلبAleppo عاصمة مملكة يمحاض، واستقرَّ قسم آخر في أوجاريت في رأس شمرا على السَّاحل السُّوريِّ، وبدءًا من هذه المرحلة سيعلو شأن أبناء الإيبلاويِّين من الكنعانيِّين والفينيقيِّين والآراميِّين، وسوف تشقُّ مجموعات أخرى من الأسر الأموريَّة طريق ازدهارها، وتصوغ تاريخ سورية خلال الألفيَّتين الثَّانية والأولى قبل الميلاد بعد أن قدَّم أجدادهم من أموريِّي إيبلا نموذجًا متميِّزًا للحكم انطلاقًا من إيبلا في إدلب عاصمة سورية في الألف الثَّالث قبل الميلاد.


التعليقات

إدارة الموقع ليست مسؤولة عن محتوى التعليقات الواردة و لا تعبر عن وجهة نظرها

لا يوجد تعليقات حالياً

شاركنا رأيك

Create Account



Log In Your Account